كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

الخصال المعتبرة في الإمامة ستَّة: الورع، والفقه، والقراءة، والهجرة، والسن، والنسب، فالمكتسب من هذه الخصال، الورع، والفقه، والقراءة والسن والهجرة مقدمة على غير المكتسب وهو السن، والنسب.
ومن الخصال المكتسبة تقدم الورع حتى إن الأورع الذي يحسن فرائض الصلاة أولى بالإمامة من الأفقه والأقرأ؛ لأن الإمامة سفارَّةٌ بين الله وبين الخلق، فأولاهم بها أكرمهم عند الله- تعالى- يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
فإن استويا في الورع، فالأفقه أولى من الأقرأ، وهو قول عطاءٍ ومالك، والأوزاعي.
وقال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق: الأقرأ أولى لظاهر الحديث.
قلنا: إنما قدم النبي- صلى الله عليه وسلم- الأقرأ: لأن الصحابة كانوا يتعلمون العلم أولاً، ثم القرآن، فقرَّاؤهم كانوا فقهاء، وفي زماننا يتعلمون القرآن أولاً، ثم يتعلمون الفقه، فلا يكون كل قارئ فقيهاً وإنما قدمنا الفقه على القراءة؛ لأن ما يجوز به الصلاة من القراءة محصور، وما يقع من الحوادث في الصلاة لا يحصى، فالفقيه أهدى إليها، وأعرف بها من القارئ، فإذا استويا في الفقه، فالأقرأ أولى ممن هو أقدم هجرة وإسلاماً، فإذا استويا في القراءة، فالذي هو أسلم، وهاجر أولاً أولى من الأسنِّ والأنسب، وكذلك المسلم الأصلي أولى من الذي أسلم بعد الكُفرِ، فإن استويا في الإسلام والهجرة، فالأسنّ والأنسب أولى، فإن كان أحدهما أسنَّ، والآخر أنسب بأن كان شيخ عجمي، وشاب قرشي، ففيه قولان.
في الجديد: الأسن أولى؛ لما روي عن مالك بن الحويرث قال: قال لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "صلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن لكم أحدكم وليؤمَّكم أكبرُكم".

الصفحة 286