كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

انفصال، فإذا فارق قريته جاز له القصر بين القريتين، وإن كان من أهل الخيام فحتى يفارق البيوت المتلاصقة والمتنابذة، ويفارق فناء خلته من مطرح الرَّماد، وملقى السِّماد، ومتحدث النادي، وملعب الصبيان، ومعاطن الإبل، وإن كان مستقره على صعود، فحتى يهبط، أو في هبوط فحتى يصعد، ولا يشترط أن تغيب البيوت والخيام عن بصره، وإن كان مسافراً في البحر والساحل متصل بالبلد، فحتى يركب السفينة وتجري.
وإن كانت السفينة كبيرة لا تتصل بالساحل، ويُنقل المتاع إليها بالزوارق، فله أن يقصر في الزورق، فكل موضع شرطنا مفارقته لجواز القصر، فإذا عاد من سفره، وبلغ ذلك الموضع صار مقيماً لا يجوز له القصر.
وإذا اتصلت السفينة بالساحل، والساحل متصل بالبلد لم يجز له القصر.
وإذا فارق البلد، ثم عادل حاجة من تجديد طهارة، أو عيادة مريض، أو حمل متاع نسيه، نظر إن كان ذلك بلد إقامته أو بلداً نزله، فنوى فيه إقامة أربع عاد مقيماً ولا رخصة له حتى يفارقها ثانياً، وكذلك لو نوى أن يعود لمثل هذا الشغل صار بالنية مقيماً.
أما إذا لم يكن مقيماً في تلك البلدة، فبالعود إليها لا يصير مقيماً، وله أن يقصر فيها. أما إذا كان قد نوى إقامة أربع، فنوى الخروج [إلى قرية] لحاجة على أن ينصرف فيجعل ذلك البلد طريقاً، ويرجع إلى بلده له أن يقصر إذا فارق هذا البلد؛ لأن الإقامة قد زالت بنيَّة السفر.
ولو ركب السفينة، فسارت، وثبت له حكم السفر، ثم هبَّت ريح، فردَّت السفينة إلى مقرها لا ينقطع حكم السفر، حتى لو كان في خلال الصلاة بنيَّة القصر، جاز له القصر، بخلاف ما لو عاد إلى البلد لشغل؛ لأن ثمَّ عاد إلى بلد إقامته باختياره، ورجوع السفينة لم يكن باختياره.
وقال في رواية البويطي: فإن خرجوا من البلد، وأقاموا في موضع حتى يجتمعوا، أو يخرجوا لم يجز لهم الترخص؛ لأنهم لم يقطعوا بالسفر، فإن قالوا: ننتظر يومين وثلاثة، فإن لم يخرجوا سرنا جاز لهم القصر؛ لأنهم قطعوا بالسفر.
ويشترط أن ينوي سفراً يبلغ مسافة القصر، فإن لم يقصد ذلك، بل خرج هائماً على وجهه لا يدري أين يذهب، أو خرج لطلب غريم، أو عبد آبق لا يدري موضعه لا يجوز له أن يقصر، وإن سار مائة فرسخ.

الصفحة 300