كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

وكذلك البدويّ إذا رحل منتجعاً، على أنه متى وجد مكاناً معشباً أقام، لم يجز له القصر، فإن وجد الغريم، أو العبد الآبق، وعزم على الرجوع إلى بلده، فإن كان من ذلك الموضع إلى بلده، مسافة القصر، له أن يقصر، وإن كان أقل فلا يقصر.
وإن خرج لطلب الغريم، وموضعه معلوم، وكان على مسافة القصر، له أن يقصر، وإن خرج فنوى مسافة القصر، ثم نوى أنه إن وجد غريمه، أو عبده رجع، نظر إن نوى هذا قبل أن يفارق عمرانات البلد فلا رخصة؛ لأنه غير النية قبل أن انعقد له حكم السفر، وإن نواه بعد مفارقة عمرانات البلد، ففيه وجهان:
أحدهما: لا قصر له، كما لو كانت هذه النية في الابتداء.
والثاني: وهو الأصح- له القصر إلى أن يجد الغريم أو العبد، فإذا وجده صار مقيماً؛ لأنه انعقد له سبب الرُّخصة، فبتغير النية لا يتغير حتى يوجد المغير للنية، وكذلك لو نوى الخروج إلى مسافة القصر، ثم بعد ما فارق البلد نوى أن يقيم في بلد دون مقصده الأول، نظر إن كان من مخرجه الأول إلى مقصده الثاني مسافة القصر، جاز له أن يقصر ما لم يدخل مقصده الثاني، وإن كان من مخرجه الأول إلى مقصده الثاني أقل من مسافة القصر، هل له أن يقصر إلى مقصده الثاني؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا كما لو أنشأ السفر إلى هذا المقصد، لا يجوز له القصر.
والثاني: وهو الأصح- له أن يقصر ما لم يدخل مقصده الثاني؛ لأنه انعقد له سبب الرُّخصة، فلا تتغير ما لم يوجد غيره، كما ذكرنا في طلب الغريم.
ولو نوى الخروج إلى بلد لا يقصر إليه الصلاة، ثم بعد الخروج نوى أن يجاوز إلى بلد تقصر إليه الصلاة، فابتدأ سفره من حين غيَّر النيَّة، فإن كان من هذا الموضع إلى مقصده الثاني مسافة القصر، جاز له أن يقصر، وإن كان أقل فلا يجوز له.
ولو نوى بلداً لا تبلغ مسافة القصر، وعزم أن ينصرف في يوم، أو يومين لا يباح له القصر وإن كان مسافة الذِّهاب والرجوع تبلغ مسافة القصر.
وإن نوى بلداً تبلغ مسافة القصر، وفي عزمه الانصراف في يومين، أو ثلاثة أيام، هل يصير مقيماً بدخول مقصده؟ فيه قولان:
أحدهما: يصير مقيماً؛ لأن مسافة الرجوع منقطعة عن مسافة الذهاب.

الصفحة 301