كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

وإذا سار الجندي بسير الأمور، ولم يعرف مقصد الأمير، لا قصر له، فلو نوى هو بنفسه مسافة القصر جاز له القصر؛ لأنه ليس تحت يد الأمير، ولو نوى مسافة القصر، ثم في خلال الطريق نوى الرجوع، أو ردد النيَّة بين أن يرجع، أو يمضي صار مقيماً في الحال، فإن رجع لا قصر له، إلا أن يكون من مرجعه إلى بلده مسافة القصر، وإن مضى فلا قصر له، إلا أن يكون من ذلك الموضع إلى مقصده مسافة القصر.
ولو كان له إلى مقصده طريقان: أحدهما يبلغ مسافة القصر، والآخر لا يبلغ، فسلك الأبعد، ينظر إن سلك لغرض من سهولة، أو أمنٍ أو نزهةٍ، أو قصد زيارة، أو عيادة، له أن يقصر، وإن سلك الأبعد لغير غرضٍ، فهل له القصر؟ فيه قولان:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة، وهو اختيار المزني- له أن يقصر؛ لأنه سفر مباح، كما لو لم يكن له طريق سواه.
والثاني: لا قصر له؛ لأنه طوَّل الطريق على نفسه لغير غرض، كما لو سلك الأقرب، وجعل يضرب يمنة ويسرة حتى طال الطريق لا قصر له.
أما إذا كان كلُّ واحد من الطريقين مسافة القصر، وأحدهما أطول، فسلك الأطول جاز له القصر، وإن طال مقامه في سلوكه.
فصلٌ
إذا دخل المسافر بلداً، ونوى إقامة ثلاثة أيام، أو ثلاثة ونصف لا يصير مقيماً، وله القصر، وإذا نوى أربعة أيام، أو تنجيز حاجة لا تنجَّز إلا في أربعة أيام يصير في الحال مقيماً، وهو قول عثمان، وبه قال سعيد بن المُسيب، ومالك؛ لأن المسافر لا يدوم سيره ليلاً ونهاراً، بل يستريح قليلاً، وما دون الأربع في حد القِلّة، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "يُقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً فإذا زاد على الثلاث كان في حدِّ الإقامة".
وقال أبو حنيفة، والثوري: له القصرُ ما لم ينوِ إقامة خمسة عشر يوماً.

الصفحة 303