كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

فصلٌ
إذا فاتته صلاة في الحضر فقضاها في السفر لا يجوز له قصرها اعتباراً بحالة الفوات؛ لأنه ثبت في ذمته صلاة تامة.
وقال المزني: له أن يقصر، كما لو فاتته صلاة في حالة القدرة، ثم مرض جاز له أن يقضيها قاعداً اعتباراً بحالة القضاء.
قلنا: لأن إزالة المرض ليس إليه، فربما يموت، والصلاة في ذمته، وقطع السفر وإتمام الصلاة بيده، فيلزمه الإتمام، فلو فاتته صلاة في السفر، هل يجوز قضاؤها قصراً؟ فيه قولان:
أصحها: وهو قوله في الجديد- لا يجوز؛ سواء قضاها في السفر، أو في الحضر، والوقت شرط لجواز القصر كما في الجمعة.
وقال في القديم: يجوز قضاؤها قصراً، سواء قضاها في السفر، أو في الحضر، وبه قال أبو حنيفة اعتباراً بحالة الفوات.
وقال في الإملاء: إن قضاها في السفر جاز قصرها، وإن قضاها في الحضر، فلا يجوز، فعلى هذا إن كان قد تخلل بين السفرين إقامة، هل يجوز له القصر؟ فيه وجهان.
فإن قلنا بقوله الجديد: إن الوقت شرطٌ لجواز القصر، فلو شرع في الصلاة بنيَّة القصر، فخرج الوقت في خلالها، نظر إن كان قد صلى ركعة في الوقت، جاز له قصرها، وإن صلى أقل من ركعة، يجب إتمامها.
وقال صاحب "التلخيص": يجب عليه الإتمام، وإن صلى في الوقت ركعة، كما في الجمعة إذا خرج الوقت قبل أن يسلم، يجب عليه أن يصلي أربعاً، والأول أصح؛ لأن الجمعة أكدت بشرائط من العدد والجماعة والخُطبة، ودار الإقامة، والقصر لم يؤكد بشيء منها، وكذلك لا يشترط أداء جميعها في الوقت.
ولو أن مقيماً أخَّر الصلاة من أوَّل الوقت، ثم سافر في آخر الوقت قبل خروج الوقت، جاز له قصر تلك الصلاة؛ لأن الوقت باقٍ.
وقال ابن سُريج: لا يجوز له القصر؛ لأن الصلاة تجب بأول الوقت، وهو كان مقيماً في أول الوقت، ألا ترى أن المرأة إذا حاضت بعد إمكان فعل الصلاة في أول الوقت يلزمها تلك الصلاة؟.
قلنا: أصل الصلاة وجوبها بأول الوقت، ومقدار يستقر عليه بآخره، كما في الجنابة يعتبر أصل الضمان بحالة الجنابة، ويعتبر المقدار بالمال.

الصفحة 310