كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

فإن أطال بطل الجمع، وعليه أن يؤدي الثانية في وقتها، والإقامة للصلاة الثانية سُنَّة لا تقطع الجمع. وقال أبو إسحاق: لا يجوز الجمع بالتيمُّم؛ لأنه إذا اشتغل بطلب الماء للصلاة الثانية يطول الفصل بينهما، والمذهب جوازه، ويطلب للثانية طلباً خفيفاً، ولا ينقطع به الجمع؛ لأنه من مصلحة الصلاة كالإقامة.
ويتفرع على هذا لو جمع بين الظُّهر والعصر في وقت الظهر، وبعد الفراغ منها تذكَّر أنه نسي سجدة من إحدى الصلاتين نظر إن علم أنه تركها من الظهر لم تصح الصلاتان، فعليه أن يعيدها، وله أن يجمع بينهما، وكذلك لو بان فسادُ الظهر بسبب آخر، وإن علم أنه تركها من العصر، فإن كان الفصلُ قريباً سجد، وصحَّت الصلاتان، وإن طال الفصلُ بطل الجمع، وعليه إعادة العصر في وقته، وإن شك لم يدر من أيهما ترك، فعليه إعادة الصلاتين جميعاً لاحتمال أنه تركها من الأولى ولا يجوز الجمع لاحتمال أنه تركها من الثانية، وإذا جمع بين الصلاتين في وقت الثَّانية وهل يجوز تقديم العصر على الظهر في الأداء وتقديم العشاء على المغرب؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ بل عليه مراعاة الترتيب، كما لو جمع بينهما في وقت الأولى.
والثاني: وهو الأصح يجوز؛ لأن الوقت لها [والأولى] تبع، وكذلك هل يجب الموالاة بينهما؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا يجب الترتيب، ولا الموالاة، فإن قلنا: الترتيب شرط، فلو قدم العصر صح عصره؛ لأن الوقت له، ولكن يصير الظهر قضاء، وكذلك إذا ترك الموالاة، وقلنا: هي [شرط] يصير الظهر قضاء ولا يجوز قصرها على قول من لا يُجوِّز قصر القضاء.
أما قصر العصر يجوز بكلِّ حال، وإذا جمع بين الصلاتين، ثم بعد الفراغ منهما صار مقيماً قبل دخول وقت الثانية، هل يجب عليه إعادة الصلاة الثانية؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ لأن وقت الأولى صار وقتاً للثانية، فقد أدَّاها في وقتها، كما لو قصر الصلاة، ثم صار مقيماً لا تجب الإعادة.
والثاني: يجب إعادتها في وقتها؛ لأن السفر قد زال، والوقت بين يديه، وإن صار مقيماً قبل الشروع في الثانية يجب عليه أن يصلي الثانية في وقتها.
وإن صار مقيماً في خلال الثانية ترتب على ما لو صار مقيماً بعد الفراغ منها إن قلنا: يعيدها، فها هنا بطل عصره، وإلا فوجهان:

الصفحة 316