كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

والثاني: يجب؛ لأن الصوت يمرُّ عليهم، غير أنهم لا يسمعون النداء؛ لأنهم في وهدةٍ، كما لو دخل بيتاً فلم يسمع النداء.
أما البلد إذا كان كبيراً يجب على من بعُد داره من الجامع حضور الجمعة، وإن لم يسمع النداء؛ لأن خطة البلد يجمع الكل، فلو اجتمع أربعون رجلاً للجمعة، ثم انفضوا، لا يخلو إما أن انفضوا قبل افتتاح الخطبة، أو في خلالها، أو بعد الفراغ منها، أو في خلال الصلاة، فإن انفضوا قبل افتتاح الخطبة، سواء انفض الكل، أو انفض واحد من الأربعين، فلا يبتدئ الخطبة حتى يجتمع أربعون؛ لأن الوقت شرط في الخطبة حتى لو ابتدأ الخطبة قبل الوقت لا يجوز، كذلك العدد شرط فيها، كما هو شرط في الصلاة.
وإن انفضوا في خلال الخُطبة، نظر إن عادوا والفصل قريب بنى على خطبته، فإن أتى بشيء من أركان الخطبة في غيبتهم أعاده؛ لأن سماع الأربعين للخطبة شرط، وإن عادوا بعد طول الفصل، عليهم استئناف الخطبة على قوله الجديد، وهو المذهب.
وفي القديم: المُوالاة ليس بشرط، فله أن يبني على خطبته، وإن لم يعد الأولون، بل جاء مكانهم آخرون يستأنف بهم الخطبة، سواء جاءوا بعد طول الفصل أو قبله.
وإن انفضوا بعد الفراغ من الخُطبة قبل الشروع في الصلاة، نظر إن رجعوا والفصل قريب صلى بهم الجمعة بتلك الخطبة، وإن رجعوا بعد طول الفصل، أو جاء آخرون لم يسمعوا الخطبة لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة بتلك الخطبة.
قال الشافعي- رحمه الله-: "أحببت أن يبتدئ خطبته، فإن لم يفعل صلاها بهم ظهراً.
اختلف أصحابنا في أنه هل يجب أن يعيد الخُطبة ليصلي بهم الجمعة، أم يجوز أن يصلي بهم الظهر؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول ابن سُريج يجب إعادة الخُطبة؛ لأن إقامة الجمعة ممكن، فلا يجوز تركها، والمراد من قوله: أحببت الإيجاب؛ لأن كل واحد مستحب.
والوجه الثاني قاله أبو إسحاق: لا يجب، بل يستحب؛ لأنه لا يأمن من انفضاضهم ثانياً فيصير ذلك عذراً في ترك الجمعة، وكذلك لو انفض واحد من الأربعين الذين سمعوا الخُطبة وحضر أربعون آخرون؛ لأن شرط الجمعة أن يعقدوا الصلاة بالأربعين الذين سمعوا الخطبة.
أما إذا انفضوا في خلال الصلاة، نظر إن حضر أربعون آخرون، وشرعوا في الصلاة، ثم انفض الأولون الذين افتتح بهم الصلاة، يجوز أن يكمل بهم الجمعة؛ لأنه لم ينتقص

الصفحة 326