كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ " قال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال: "لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم".
وإن كان سفراً مباحاً، فيه قولان:
أحدهما: يجوز؛ لأن وقت الصلاة لم يدخل قبل طلوع الفجر.
والثاني: لا يجوز؛ لأن الرَّواح قد يجب في هذا الوقت على من بعُد داره عن المسجد، كما بعد الزوال؛ لأن وجوب السبب كوجوب الفعل، فلما لم يجز السفر بعد وجوب الفعل لم يجُز بعد وجوب السبب.
وعند أبي حنيفة يجوز الخروج بعد الزوال إذا كان يفارق البلد قبل خروج الوقت، فإذا كان لا يفارقه إلا بعد خروج الوقت لم يجُز حتى يصلي الجمعة؛ لأن الصلاة عنده تجب في آخر الوقت.
ولا يكره البيع يوم الجمعة قبل الزوال، أما بعد الزوال، فإن كان قبل ظهور الإمام على المنبر يكره، وإن كان بعد ظهور الإمام يحرم لقوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9].
وأما إذا تبايع رجلان، وأحدهما من أهل فرض الجمعة دون الآخر أثِما جميعاً؛ لأن أحدهما توجه عليه الفرض، والآخر يشغله عن الفرض، أما البيع فلا يبطل؛ لأن النهي غير مختص بالعقد، فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة.
وإذا اتفق يوم عيد ويوم جمعة، فحضر أهل السواد فصلوا العيد، فهل عليهم الجمعة؟ اختلف أصحابنا فيه؛ منهم من قال: تجب لأن من لزمته الجمعة في غير يوم العيد لزمته في يوم العيد كأهل البلد.
ومنهم من قال: نص الشافعي عليه [في "الأم"] أنه لا يجب عليهم الجمعة، ولهم أن ينصرفوا، ويدعوا الجمعة؛ لما روي عن عثمان أنه قال في خطبته: أيها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم، فمن أراد من أهل العالية أن يصلي معنا الجمعة فليفعل، من أراد أن ينصرف فلينصرف، ولم ينكر عليه أحد.

الصفحة 335