كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

لا يكثر فيها العمل، وأحوط لأمر الحرب حتى لا يمنعهم اشتغال القلب بالصلاة عن محاربة العدو، ولو احتاجوا إليها، فلو صلوا مثل ما رواه ابن عمر هل يجوز أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: يجوز، وهو من الاختلاف المباح.
والثاني: لا يجوز، وخبر ابن عمر منسوخ بخبر سهل بن أبي حثمة.
ولو صلى كل واحد منهم منفرداً، أو صلى الإمام بطائفة تمام الصلاة، وأمر غيره حتى صلى بالطائفة الثانية جاز.
ولكن أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- كانوا يتنافسون في الاقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم- فآسى الله بينهم، فحازت إحدى الطائفتين فضيلة التحريم، والأخرى فضيلة التسليم.
ولو صلى بالطائفة الأولى تمام الصلاة، ثم جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم تلك الصلاة ثانياً جاز، فتكون الثانية نفلاً للإمام، وفرضاً للقوم، هكذا صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببطن نخل.
ولا يشترط استواء الطائفتين في العدد، غير أن المستحبَّ ألا تنتقص كل طائفة عن الثلاث، فإن جعل الأكثر في مقابلة العدو، وصلى بثلاث، وإن صلى بالأكثر حرسهم ثلاثة، فإن صلى بواحد أو اثنين حرسه رجلان، أو رجل بأن كان في مضيق يسده رجل واحد وصلى بالأكثرين جاز، هذا إذا صلى بهم الصبح، أو كانوا في سفر فصلى بهم ركعتين قصراً، فإن صلى بهم صلاة المغرب يجعلهم طائفتين، فيصلي بالأولى ركعتين، ويتشهد بهم، فإذا قام خرجوا عن متابعته، وأتموا صلاتهم ثم أتت الطائفة الأخرى، فيصلي بهم ركعة، فإذا قعد قاموا، وأتموا لأنفسهم، وسلَّم بهم الإمام.
وإنما قلنا: يصلي بالطائفة الأولى ركعتين؛ لأنهم سابقون، فهم أولى بالزيادة، ولأنه إذا صلى بهم ركعة وبالثانية ركعتين زاد في صلاة الطائفة الثانية تشهد، فلو صلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم قام وخرجوا عن صلاته، وأتموها لأنفسهم، ثم صلى بالثانية ركعتين جاز وهكذا فعل عليٌّ- رضي الله عنه- ليلة "الهرير"، فإذا صلى بالطائفة الثانية ركعتين يقعدون

الصفحة 358