كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

وكذلك لا بأس أن يصلي ممسكاً عنان دابته، فإن نازعته فجذبها مرتين، ولم ينحرف عن القِبلة جازت صلاته، فإن كثرت بطلت صلاته، وإن جذبته عن القِبلة فرجع إلى مكانه بنى، وإن لم يمكنه حتى طال أعاد الصلاة، وذلك أن الانحراف عن القِبلة إنما يعفى عنه إذا كان بسبب العدو لا بسبب الدابة، ولو صاح على العدو بطلت صلاته، كما لو تكلم؛ لأنه لا ضرورة إليه، وإذا نجس سلاحه وضعه في الحال، فإن لم يجد بُداً من إمساكه صلى معه، ثم أعاد وإن أمسكه من غير حاجة إليه بطلت صلاته، ولو كان يصلي على الدابة في شدة الخوف، فأمن في خلال الصلاة.
قال الشافعي: نزل فبنى على صلاته، ولو كان يصلي حال الأمن إلى القِبلة، ثم حدث الخوف، قال: ركب واستأنف وعلل بأن عمل النزول أخف من عمل الركوب.
اعترض عليه المزني فقال: قد يكون الفارس أخف ركوباً، وأقل شغلاً لفروسيته من نزول ثقيل غير فارس.
واختلف أصحابنا فيه، منهم من أجرى على الظاهر، وقال بالركوب تبطل الصلاة بكل حال، وبالنزول لا تبطل.
وأجاب المزني بأن نزول كل فارس يقابل بركوبه فمن ثقل نزوله كان ركوبه أثقل، ومن خف ركوبه كان نزوله أخف.
ومنهم من فصل وقال: إذا خف نزلوه بنى، فإن كثر عمله في النزول استأنف.
وإذا ركب بطلت صلاته إن أمكنه أن يقاتل راجلاً، وإن لم يمكنه واضطر إلى الركوب ركب وبنى، وإن كثر عمله؛ لأنه ليس بأكثر من الطعن والضرب.
وخرج منه أنه إن لم يضطر إلى الركوب فركب استأنف، وإن اضطر إليه فوجهان، وإن نزل وخف نزوله بنى، وإن ثقل فوجهان.
وإن نزل واستدبر القِبلة في النزول بطلت صلاته؛ لأنه ترك القبلة من غير خوف، ولو انهزم العدو لم يجز لهم أن يصلوا في طلبهم صلاة شدة الخوف؛ لأن الصلاة فرض وطلبهم تطوع، فإن خافوا منهم الكمين أو التحرُّف للقتال جاز ولا إعادة عليهم، ولو صلوا في حال الأمن صلاة شدة الخوف لا يصح، ولو صلوا صلاة "عسفان" تصح صلاة الإمام، ولا تصح صلاة القوم؛ لأنهم تخلَّفوا عن الإمام بركنين، ولو صلوا صلاة "ذات الرقاع" ففيه قولان، بناءً على أنه هل يجوز للإمام انتظار المأموم بغير عُذر؟ وهل يجوز للمأموم الخروج عن صلاة الإمام بغير عذر؟ وفيه قولان.

الصفحة 363