كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

ولو رأوا سواداً أو تلّا فظنوه عدواً فصلوا صلاة شدة الخوف بالإيماء، ثم بان أن لم يكن عدواً ففيه أقوال:
أصحها: وهو قوله الجديد: يجب عليهم الإعادة؛ لأن الفرض لا يسقط بالخطأ.
وقال في "الإملاء": لا إعادة عليهم؛ لأن العلة الخوف، وكانت موجودة وقال في القديم: إن كان في دار الإسلام يجب الإعادة، وإن كان في دار الحرب فلا يجب؛ لأن الغالب من أمر دار الحرب الخوف والعدو. ولو رأوا العدو حقيقة، فصلوا صلاة شدة الخوف، ثم ظهر أنه كان بينهم وبين المسلمين حاجزٌ من ماء، أو خندق يمنع العدو عنهم، أو ظهر للمسلمين مددٌ يمنعهم، أو ظهر بقربهم حصنٌ أمكنهم التحصن به، أو ظنوا أن بإزاء كل مسلم مشركين فبان أقل- ففي وجوب الإعادة قولان:
أصحهما: يجب الإعادة. ولو صلى في هذه الأحوال صلاة "عسفان"؛ هل على القوم الإعادة؟ فيه قولان؛ كما لو صلوا صلاة شدة الخوف.
ولو صلوا صلاة "ذات الرقاع" إن قلنا: يجوز في حال الأمن، فها هنا يجوز، وإلا فعلى قولين؛ كما لو صلوا صلاة شدة الخوف.
ولو صلوا صلاة "بطن نخل" يجوز؛ لأنه يجوز في حالة الأمن.
والكمين إذا صلوا قعوداً خوفاً من أن يراهم العدو جاز، ويجب عليهم الإعادة؛ كالمحبوس في الحشِّ يصلي، ويعيد. والله أعلم.
بابُ: من له أن يصلي صلاة الخوف
كل قتال كان: مفروضاً أو مباحاً، جاز أن يصلي فيه صلاة شدة الخوف؛ فالمفروض هو: أن يكون بمقابلة كل مسلم مشركان فأقل، والمباح: أن يكون بمقابلة كل مسلم أكثر من مشركين. فلو ولَّى ظهره هارباً: نظر إن كان بمقابلة كل مسلم أكثر من مشركين، جاز أن يصلي في الهرب صلاة الخوف متوجهاً إلى الجهة التي يهرب إليها.
وإن كان بمقابلة كل مسلم مشركان فأقل، لا يجوز أن يصلي صلاة شدة الخوف في الهرب؛ لأنه عاص، إلا أن يكون متحرِّفاً لقتال، أو متحيزاً إلى فئة؛ فله أن يصلي صلاة الخوف في حالة التوالي.

الصفحة 364