كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

وروي عن أنس: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء [والسنة هذا أنه إذا دعا لرفع البلاء يجعل ظهر كفيه إلى السماء]، وإذا سأل الله شيئاً جعل كفيه إلى السماء. ويستحب أن يكون من دعائهم: اللهم أنت أمرتنا بدعائك، ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك؛ كما أمرتنا، فأجبنا؛ كما وعدتنا. اللهم فامنن علينا بمغفرة ما قارفنا، وإجابتك في سقيانا وسعة رزقنا. ثم يدعون بما شاءوا من دين ودنيا. ويبدأ الإمام ويبدءون بالاستغفار، ويفصل به كلامه، ويختم به. ثم يُقبل بوجهه على الناس، فيحضهم على طاعة ربهم، ويصلي على النبي- صلى الله عليه وسلم- ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ آية أو آيتين، ويقول؛ أستغفر الله لي ولكم ثم ينزل. ويدعون أرديتهم محولة حتى يرجعوا إلى منازلهم، فينزعونها مع سائر الثياب. فإن سقاهم الله، وإلا عادوا من الغد بعده للصلاة والاستسقاء حتى يسقيهم الله؛ فإن الله يحب الملحين في الدعاء. فإن سقوا قبل أن يصلوا، صلوا شكراً وطلباً للزيادة.
وقال أبو حنيفة: لا يصلي للاستسقاء، بل يخطب ويدعو، وإن كانت ناحية جدبة والأخرى خصبة، يستحب لأهل الخصبة أن يستسقوا لأهل الجدبة، وللمسلمين، ويسألوا لأنفسهم الزيادة.
ويجوز لأهل البوادي والمسافرين الاستسقاء بالصلاة والخطبة؛ كأهل المصر؛ لأن أهل البوادي أحوج إليه. ويجوز للإمام أن يستسقي بغير صلاة وخلف الصلوات، وفي خطبة الجمعة.
ولو نذر الإمام أن يستسقي، يلزمه أن يخرج بالناس، ويصلي بهم ولو نذر واحد من عرض الناس أن يستسقي، لزمه أن يصلي منفرداً ويستسقي، فإن نذر أن يستسقي بالناس لا ينعقد؛ لأن الناس، لا يطيعونه، إلا أن ينذره الإمام.
وكذلك لو نذر أن يخطب- وهو من أهله- لزمه [و] هل يجوز قاعداً مع القدرة على القيام؟ فعلى وجهين؛ كالصلاة المنذورة. وكان القاضي- رحمه الله- يقول: إذا نذر أن

الصفحة 396