كتاب التهذيب في فقه الإمام الشافعي (اسم الجزء: 2)

إعادة الغسل. وإن قلنا: هناك يجب غسل المحل؛ فها هنا لا يجب شيء. ولا خلاف أنه يجب على الفاعل الغسل. والمرأة في غُسلها كالرجل ويجعل شعرها ثلاثة قرون، ويفتل ضفيرة فيلقي خلفها؛ لما روي عن أم عطية قالت: توفيت إحدى بنات النبي- صلى الله عليه وسلم- فضفرنا شعرها ثلاثة قرون؛ فألقيناها خلفها.
وعند أبي حنيفة: يجعل شعرها ضفيرتان يلقيان على صدرها.
وهل تجب النية في غسل الميت؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجب؛ لأنه غسل واجب؛ كغسل الجنابة.
والثاني: لا يجب؛ لأن النية تكون على المغتسل، وهو ليس من أهلها.
وفائدته: تتبين فيما لو وجد ميت في ماء، هل يجب غسله؟ إن شرطنا النية يجب، وإلا فلا؛ ولأن الغسل قد حصل.
وهل يجوز غسل الكافر المسلم؟ إن قلنا: النية شرط لا يجوز، وإلا فيجوز. وهذا أصح؛ لأن الشافعي نص على أنه يكره للذمية غسل زوجها المسلم، ويجوز.
ثم بعد الفراغ من غسل الميت ينشفُّ أعضاؤه بخرقة حتى لا يبتلَّ الكفنُ؛ فيتسارع إليه البلى. وهل تقلم أظافير الميت؟ وهل يؤخذ شعر إبطه، وعانته؟ وهل يقص شارب الرجل؟ فيه قولان:
أحدهما: بلى، كما يتنظَّف الحي بهذه الأشياء.
والثاني: لا يؤخذ، ويكره لو فعل. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، واختاره المزني؛ لأنها تصير إلى البلى. ولا يحلق شعر رأسه. لأن أخذه غير مشروع في غير المناسك.
ولا يختنُ الميت، ويستحب أن يكون عند غسل الميت مجمرٌ طيب لا ينقطع، إلى أن يفرغ من غسله حتى يغلب ريحه رائحة ما يخرج منه. وإذا رأى الغاسل من الميت شيئاً لا يتحدث به؛ لما عليه من ستر أخيه، وقد يحدث بالميت سوادٌ لغلبة الدم، والتواءُ عنق لتشنج أصابه. فإذا تحدث به، أساء الناس فيه الظن.
وإن كان الميت مُحرماً لا ينقطع حكم إحرامه بالموت؛ فلا يجوز أن يحنَّط ويطيب، ولا أن يلبس المخيط، ولا يستر رأسه. وإن كانت امرأة لا يُستر وجهها، ولا يؤخذ شعره وظفره؛ وهو قول عثمان وعلي وابن عباس. وعند أبي حنيفة: هو كسائر الموتى؛ وهو قول ابن عمر.

الصفحة 412