كتاب تفسير عبد الرزاق (اسم الجزء: 2)

نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ

989 - عَنْ مَعْمَرٍ , عَنِ الْكَلْبِيِّ , قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ , قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§مَنْ جَاءَ بِرَأْسٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا , وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا» فَلَمَّا هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ تَبِعَهُمْ أُنَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ , وَبَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسٌ , فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ , وَاللَّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ هَؤُلَاءِ , وَأَنْ نَتَّبِعَهُمْ ضَعْفٌ بِنَا , وَلَا تَقْصِيرٌ وَلَكِنْ كَرِهْنَا أَنْ يُغَرَّ بِكَ وَنَدَعَكَ وَحْدَكَ , قَالَ: فَتَمَارَوْا فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] , ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَوَاضِعِهَا , فَقَالَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ , فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] الْآيَةَ " , {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: 7] , قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: «هِيَ الْمَغَانِمُ»
990 - نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أرنا مَعْمَرٌ , قَالَ: أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ , عَنْ عِكْرِمَةَ , أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي عِيرِ قُرَيْشٍ , وَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مُغَوِّثِينَ لِعِيرِهِمْ , وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَبَا سُفْيَانَ , وَأَصْحَابَهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَيْنًا طَلِيعَةً يَنْظُرَانِ بِأَيِّ مَاءٍ هُوَ , فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا عَ‍لِمَا عِلْمَهُ , وَأُخْبِرَا خَبَرَهُ جَاءَا سَرِيعَيْنِ , فَأَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَنَزَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ بِهِ الرَّجُلَانِ , فَقَالَ: لِأَهْلِ الْمَاءِ هَلْ أَحْسَسْتُمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ؟ قَالُوا: لَا , قَالَ: فَهَلْ مَرَّ بِكُمْ؟ قَالُوا: مَا رَأَيْنَا إِلَّا رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ كَذَا وَكَذَا , قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَيْنَ كَانَ مُنَاخُهُمَا؟ فَدَلُّوهُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى بَعْرَ إِبِلِهِمَا فَفَتَّهُ فَإِذَا فِيهِ نَوًى , فَقَالَ: هَذِهِ نَوَاضِحُ أَهْلِ يَثْرِبَ , فَتَرَكَ الطَّرِيقَ , وَأَخَذَ سَيْفَ الْبَحْرِ , وَجَاءَ الرَّجُلَانِ فَأَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ , -[112]- فَقَالَ: «§أَيُّكُمْ أَخَذَ هَذِهِ الطَّرِيقَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ هُمْ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا , وَنَحْنُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا , فَيَرْتَحِلُ فَيَنْزِلُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا , وَنَنْزِلُ نَحْنُ بِمَاءِ كَذَا , ثُمَّ يَنْزِلُ بِمَاءَ كَذَا , وَتَنْزِلُ بِمَاءَ كَذَا وَكَذَا , ثُمَّ نَلْتَقِي بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا كَأَنَا فَرَسَا رِهَانٍ , فَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا , فَوَجَدَ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ بَعْضَ رَقِيقِ قُرَيْشٍ مِمَّنْ خَرَجَ يُغْيِثُ أَبَا سُفْيَانَ , فَأَخَذَهُمْ أَصْحَابُهُ فَجَعَلُوا يُسَائِلُونَهُمْ , فَإِذَا صَدَقُوهُمْ ضَرَبُوهُمْ , وَإِذَا كَذَبُوهُمْ تَرَكُوهُمْ , فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنْ صَدَقُوَكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمْ , وَإِنْ كَذَبُوكُمْ تَرَكْتُمُوهُمْ؟» , ثُمَّ دَعَا وَاحِدًا مِنْهُمْ , فَقَالَ: «مَنْ يُطْعِمُ الْقَوْمَ؟» , فَقَالَ: فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَدَّدَ رِجَالًا يُطْعِمُهُمْ كُلُّ رَجُلٍ يَوْمًا , قَالَ: «فَكَمْ يَنْحَرُ لَهُمْ؟» فَقَالَ: عَشَرَةً مِنَ الْجُزُرِ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَزُورُ بِمِائَةٍ وَهُمْ مَا بَيْنَ الْأَلْفِ , وَالتِّسْعِمِائَةٍ» , فَلَمَّا جَاءَ الْمُشْرِكُونَ صَافُّوهُمْ , وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَشَارَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قِتَالِهِمْ , فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُشِيرُ عَلَيْهِ , فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَقَامَ عُمَرُ يُشِيرُ عَلَيْهِ , فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ , فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُعَرِّضُ بِنَا مُنْذُ الْيَوْمِ لِتَعْلَمَ مَا فِي نُفُوسِنَا , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَهَا حَتَّى تَبْلُغَ بَرْكَ الْغِمَادِ مِنْ ذِي يَمَنٍ لَكِنَّا مَعَكَ , فَوَطَّنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى القتال والصَّبْرِ , وَسُرَّ بِذَلِكَ مِنْهُمْ , فَلَمَّا الْتَقَوْا سَارَ فِي قُرَيْشٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ: أَيْ قَوْمُ أَطِيعُونِي الْيَوْمَ , وَلَا تُقَاتِلُوا مُحَمَّدًا , وَأَصْحَابَهُ فَإِنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمُوهُ لَمْ تَزَلْ بَيْنَكُمْ أحْنَةٌ مَا بَقِيتُمْ , وَفَسَادٌ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ أَخِيهِ , وَقَاتِلِ ابْنِ عَمِّهِ , فَإِنْ يَكُن مَلِكًا أَكَلْتُمْ فِي مُلْكِ أَخِيكُمْ , وَإِنْ يَكُ نَبِيًّا فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ , وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا كَفَتْكُمُوهُ ذُؤَبَانُ الْعَرَبِ , -[113]- فَأَبَوْا أَنْ يَسْمَعُوا مَقَالَتَهُ , وَأَبَوْا أَنْ يُطِيعُوا , فَقَالَ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي كَأَنَّهَا الْمَصَابِيحُ أَنْ تَجْعَلُوهَا أَنْدَادًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي كَأَنَّهَا عُيُونُ الْحَيَّاتِ , فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَقَدْ مَلَأْتَ سِحْرَكَ رُعْبًا , ثُمَّ سَارَ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَ: إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إِنَّمَا يُشِيرُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا؛ لِأَنَّ ابْنَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ , وَمُحَمَّدٌ ابْنُ عَمِّهِ , فَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَهُ , وَابْنَ عَمِّهِ فَغَضِبَ عُتْبَةُ , وقَالَ: أَيْ مُصَفِّرَ اسْتِهِ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَجْبَنُ , وَالْأَمُ وَأَقْتَلُ لِقَوْمِهِ الْيَوْمَ , ثُمَّ نَزَلَ وَنَزَلَ مَعَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ , وَابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ , فَقَالُ: أَبْرِزْوا إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا فَقَامَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ , فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَامَ عَلِيٌّ , وَحَمْزَةُ , وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , فَاخْتَلَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَقَرِينُهُ ضَرْبَتَيْنِ , فَقَتَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ , وَأَعَانَ حَمْزَةُ عَلِيًّا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ , وَقُطِعَتْ رِجْلُ عُبَيْدَةَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ , وَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ وَهَزَمَ عَدُوَّهُ , وَقُتِلَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ , فَأُخْبِرَ بِقَتْلِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: «أَفَعَلْتُمْ؟» , فَقَالُوا: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَسُّرَ بِذَلِكَ , وَقَالَ: «إِنَّ عَهْدِي بِهِ وَفِي رُكْبَتَهِ جور فَاذْهَبُوا فَانْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ» فَنَظَرُوا فَرَأَوْهُ , وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ , ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَتْلَى , فَجَرُّوا حَتَّى أُلْقَوْا فِي الْقَلِيبِ , ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: «أَيْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ , فَجَعَلَ يُسَمِّيهِمْ رَجُلًا رَجُلًا , هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوَيَسْمَعُونَ مَا تَقُولُ؟

الصفحة 111