كتاب تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل (اسم الجزء: 2)

يقرأ الكتب ولم يلق العلماء ولم يسافر إلى بلد آخر غير بلده الذي أنشأ فيه صلى الله عليه وسلم وأنه نشأ بين أمة أمية مثله، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أتى بهذه القصة الطويلة على أحسن ترتيب وأبين معان وأفصح عبارة فعلم بذلك أن الذي أتى به هو وحي إلهي ونور قدسي سماوي فهو معجزة له قائمة إلى آخر الدهر.
وقوله تعالى: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ يعني وما كنت يا محمد عند أولاد يعقوب إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ يعني حين عزموا على إلقاء يوسف صلى الله عليه وسلم في الجب وَهُمْ يَمْكُرُونَ يعني بيوسف وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى وما أكثر الناس يا محمد لو حرصت على إيمانهم بمؤمنين وذلك أن اليهود وقريشا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فلما أخبرهم بها على وفق ما عندهم في التوراة لم يسلموا فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فقيل له إنهم لا يؤمنون ولو حرصت على إيمانهم ففيه تسلية له وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ يعني على تبليغ الرسالة والدعاء إلى الله من أجر يعني أجرا وجعلا على ذلك إِنْ هُوَ أي ما هو يعني القرآن إِلَّا ذِكْرٌ يعني عظة وتذكيرا لِلْعالَمِينَ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ يعني وكم من آية دالة على التوحيد فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها يعني لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ أي لا يلتفتون إليها والمعنى ليس إعراضهم عن هذه الآيات الظاهرة الدالة على وحدانية الله تعالى بأعجب من إعراضهم عنك يا محمد وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ يعني أن من إيمانهم أنهم إذا سئلوا من خلق السموات والأرض قالوا الله وإذا قيل لهم من ينزل المطر قالوا الله وهم مع ذلك يعبدون الأصنام.
وفي رواية عن ابن عباس: إنهم يقرون أن الله خالقهم فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره فذلك شركهم، وفي رواية أخرى عنه أيضا أنها نزلت في تلبية مشركي العرب وذلك أنهم كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك، وقال عطاء هذا في الدعاء وذلك أن الكفار نسوا ربهم في الرخاء فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء.

[سورة يوسف (12): الآيات 107 الى 109]
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109)
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ يعني عقوبة مجللة تعمهم وقال مجاهد عذاب يغشاهم، وقال قتادة: وقيعة وقال الضحاك يعني الصواعق والقوارع أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً يعني فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يعني بقيامها قال ابن عباس: تهيج الصيحة بالناس وهم في أسواقهم قُلْ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين هذِهِ سَبِيلِي يعني طريقي التي أَدْعُوا إليها وهي توحيد الله عز وجل ودين الإسلام وسمي الدين سبيلا لأنه الطريق المؤدي إلى الله عز وجل وإلى الثواب والجنة إِلَى اللَّهِ يعني إلى توحيد الله والإيمان به عَلى بَصِيرَةٍ يعني على يقين ومعرفة والبصيرة هي المعرفة التي يميز بها بين الحق والباطل أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي يعني من آمن بي وصدق بما جئت به أيضا يدعو إلى الله، وهذا قول الكلبي وابن زيد قال: حق على من اتبعه وآمن به أن يدعو إلى ما دعا إليه ويذكر بالقرآن وقيل تم الكلام عند قوله أدعو إلى الله ثم استأنف على بصيرة أنا ومن اتبعني بعدي أنا على بصيرة ومن اتبعني أيضا على بصيرة قال ابن عباس إن محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا على أحسن طريقة وأفضل هداية وهم معدن العلم وكنز الإيمان وجند الرحمن.

الصفحة 559