كتاب تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل (اسم الجزء: 2)

أرادوا الخروج من الحرم قلدوا أنفسهم وإبلهم من لحاء شجر الحرم فكانوا يأمنون بذلك فلا يتعرض لهم أحد، فنهى الله المؤمنين عن ذلك الفعل ونهاهم عن استحلال نزع شيء من شجر الحرم وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يعني ولا تستحلوا القاصدين إلى البيت الحرام وهو الكعبة شرّفها الله وعظمها يَبْتَغُونَ يعني يطلبون فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ يعني الرزق والأرباح في التجارة وَرِضْواناً يعني ويطلبون رضا الله عنهم بزعمهم لأن الكافر لا حظ له في الرضوان لكن يظن أن فعله ذلك طلب الرضوان فيجوز أن يوصف به بناء على ظنه. وقيل إن المشركين كانوا يقصدون بحججهم ابتغاء رضوان الله وإن كانوا لا يغالونه فلا يبعد أن يحصل لهم بسبب ذلك القصد نوع من الحرمة وهو الأمن على أنفسهم. وقيل: كان المشركون يلتمسون في حجهم ما يصلح لهم دنياهم ومعاشهم.
وقيل: ابتغاء الفضل هو للمؤمنين والمشركين عامة وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة وذلك أنهم يحجون جميعا.
((فصل)) اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية فقال قوم: هذه الآية منسوخة إلى هاهنا لأن قوله تعالى لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام يقتضي حرمة القتل في الشهر الحرام وفي الحرم وذلك منسوخ بقوله تعالى:
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقوله تعالى: وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يقتضي حرمة منع المشركين عن البيت الحرام وذلك منسوخ بقوله تعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا فلا يجوز أن يحج مشرك ولا يأمن بالهدي والقلائد كافر وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأكثر المفسرين.
قال الشعبي: لم ينسخ من سورة المائدة إلا هذه الآية. وقيل: المنسوخ منها قوله ولا آمين البيت الحرام نسختها آية براءة فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وقوله: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وقال ابن عباس: كان المؤمنون والمشركون يحجون البيت جميعا فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يتعرضوا له من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعد هذا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وقال آخرون: لم ينسخ من ذلك شيء سوى القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحاء شجر الحرم.
قال الواحدي: وذهب جماعة إلى أنه لا منسوخ في هذه السورة وأن هذه الآية محكمة قالوا ما ندبنا إلى أن نخيف من يقصد بيته من أهل شريعتنا في الشهر الحرام ولا في غيره وفصل الشهر الحرام عن غيره بالذكر تعظيما وتفضيلا وحرم علينا أخذ الهدي من المهدين وصرفه عن بلوغ محله وحرم علينا القلائد التي كانوا يفعلونها في الجاهلية وهذا غير مقبول، والظاهر ما عليه جمهور العلماء من نسخ هذه الآية لإجماع العلماء، على أن الله عزّ وجلّ قد أحلّ قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها.
وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه وذراعيه جميع لحاء الشجر لم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لم يكن قد تقدم له عهد ذمة أو أمان. وكذلك أجمعوا على منع من قصد البيت بحج أو عمرة من المشركين لقوله تعالى عمرة من المشركين لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا والله أعلم.
وقوله تعالى: وَإِذا حَلَلْتُمْ يعني من إحرامكم فَاصْطادُوا هذا أمر إباحة، لأن الله حرم الصيد على المحرم حالة إحرامه بقوله تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وإذا حلّ من إحرامه بقوله وإذا حللتم فاصطادوا وإنما قلنا إنه أمر إباحة لأنه ليس واجبا على المحرم إذا حل من إحرامه أن يصطاد ومثله قوله تعالى:
فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ معناه أنه قد أبيح لكم ذلك بعد الفراغ من الصلاة وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ.

الصفحة 6