كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة (اسم الجزء: 2)

لم لا أضيع بها عهاد مدامعي ... إني إذا لعهودها «1» لمضيّع
خلّيّ، لو لم تسعداني في البكا ... لقطعت من حبليكما ما يقطع
أرأيتما نفسا تفارق جسمها ... وبه تنعّمها ولا تتوجّع؟
عظمت رزيّتها وأيّ رزيّة ... ظلّت لها أكبادنا تتصدّع
هذي حمامك، يا عليّ، سواجع ... وأخالها أسفا عليها تسجع
إن طارحتني ورقها فبأضلعي ... شوق يطارحه ادّكار موجع
آه على جسمي الذي فارقته ... لا كنت ممّن جسمه لا يرجع
ومن العجاب رجوع ما أودى به ... دهر بتشتيت «2» الأحبّة مولع
الجور منه إذا استمرّ طبيعة ... والعدل منه إذا استقام تطبّع
هذي عقوبة زلّة سلفت بها ... من أكل طعمته التي لا تشبع
قد كنت أمنع رسخ نفسي قبلها ... واليوم أوجب أنّه لا يمنح
لم لا وقد أصبحت بعد محلّة ... فيها السحائب بالرغائب تهمع؟
دار يدرّ الرزق من أخلاقها ... ولكم دعا داع بها من يوضع
وكأنّ مجلسها البهيّ بصدرها ... ملك بأعلى دسته متربّع
وكأنّ مجمر عنبر بفنائها ... يذكي وما «3» قد سيف منه يسطع
وكأنها المتوكلية بهجة ... وعليّ بن الجهم فيها يبدع
في حجر ضبّ خافض بجواره ... من كان قبل له العوامل ترفع
يا نفثة المصدور كم لك قبلها ... من زفرة بين الجوانح تسفع
وعساك تنقع غلّة بك إنها ... بجحيم ما أسبلته لا تنقع
لله أنت مذاعة أودعتها ... من كل سرّ بالضمائر يودع
بدويّة في لفظها ونظامها ... حضرية فيما به يترجّع
لم لا تشفع في الذي أشكو بها ... ومثالها في مثله يتشفّع؟
كملت وما افترعت فأيّ خريدة ... لو كان يفرعها همام أروع
بارت عليّ فأصبحت لحيائها ... مني بضافي مرطها تتلفّع

الصفحة 384