كتاب الإحاطة في أخبار غرناطة (اسم الجزء: 2)

وتمايلت كالغصن أخضله النّدى «1» ... ريّان من ماء الشبيبة مخصب
تثنيه أرياح «2» الصّبابة والصّبا ... فتراه بين مشرّق ومغرّب
أبت الرّوادف أن تميل بميله ... فرست وجال كأنه في لولب
متتوّجا بهلال وجه لاح في ... خلل السجوف «3» لحاجب ومحجّب
يا من رأى فيها محبّا مغرما ... لم ينقلب إلّا بقلب قلّب
ما زال مذ ولّى يحاول حيلة ... تدنيه من نيل المنى والمطلب
فأجال نار الفكر حتى أوقدت ... في القلب نار تشوّق وتلهّب
فتلاقت الأرواح قبل جسومها ... وكذا البسيط يكون قبل مركّب
ومن مقطوعاته البديعة، مما سمع منه بغرناطة، حرسها الله، أيام مقامه بها قوله «4» : [الطويل]
أرى لك يا قلبي بقلبي محبّة ... بعثت بها سرّي إليك رسولا
فقابله بالبشرى «5» وأقبل عشيّة ... فقد هبّ مسك «6» للنسيم عليلا
ولا تعتذر بالقطر أو بلل الندى ... فأحسن ما يأتي النسيم بليلا
ونقلت من خط الفقيه القاضي أبي جعفر الرّعيني، مما أملاه عليّ بمنزله بغرناطة، قال: وحضرت في عام ثلاثة عشر وسبعمائة، يوم إحرام الكعبة العليّة، وذلك في شهر ذي القعدة على اصطلاحهم في ذلك، وصفته أن يتزيّن سدنة البيت من شيبة بأحسن زي، ويعمدوا إلى كرسي يصل فيه صاعده إلى ثلث الكسوة، ويقطعها من هنالك، ويبقى الثلثان إلى الموسم، وهو يوم مشهود عند سكان الحرم، يحتفل له، ويقوم المنشدون أدراج الكعبة ينشدون. فقلت في ذلك: [الطويل]
ألم ترها قد شمّرت تطلب الجدّا ... وتخبر أنّ الأمر قد بلغ الحدّا؟
فجدّ كما جدت إليها وشمّر ... عن السّاعد الأقوى تنل عندها سعدا
طوت بردها طيّ السّجلّ كناية ... لأمر خفيّ سرّه طوت البردا
وأندت محيّاها فحيّي «7» جماله ... وقبّل على صوت المقى «8» ذلك الخدّا

الصفحة 407