كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين (اسم الجزء: 2)
تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا مَنْ رَدَّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى قَوْلِ مَتْبُوعِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الصَّوَابِ؟ ،
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْمِثَالَ الَّذِي مَثَّلْتُمْ بِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْحُجَجِ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ سِلْعَةٍ أَوْ سُلُوكَ طَرِيقٍ حِينَ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْمُرُهُ بِخِلَافِ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ لَا يَقْدُمُ عَلَى تَقْلِيدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، بَلْ يَبْقَى مُتَرَدِّدًا طَالِبًا لِلصَّوَابِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ؛ فَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ أَحَدِهِمْ مَعَ مُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَالدَّيَّانَةِ أَوْ كَوْنِهِ فَوْقَهُ فِي ذَلِكَ عُدَّ مُخَاطِرًا مَذْمُومًا وَلَمْ يُمْدَحْ إنْ أَصَابَ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي فِطَرِ الْعُقَلَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَتَوَقَّفَ أَحَدُهُمْ وَيَطْلُبَ تَرْجِيحَ قَوْلِ الْمُخْتَلِفِينَ عَلَيْهِ مِنْ خَارِجٍ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَهُ الصَّوَابُ، وَلَمْ يُجْعَلْ فِي فِطَرِهِمْ الْهَجْمُ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ وَاحِدٍ وَاطِّرَاحُ قَوْلِ مَنْ عَدَاهُ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: أَنْ نَقُولَ لِطَائِفَةِ الْمُقَلِّدِينَ: هَلْ تُسَوِّغُونَ تَقْلِيدَ كُلِّ عَالِمٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَوْ تَقْلِيدَ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ؟ فَإِنْ سَوَّغْتُمْ تَقْلِيدَ الْجَمِيعِ كَانَ تَسْوِيغُكُمْ لِتَقْلِيدِ مَنْ انْتَمَيْتُمْ إلَى مَذْهَبِهِ كَتَسْوِيغِكُمْ لِتَقْلِيدِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ، فَكَيْفَ صَارَتْ أَقْوَالُ هَذَا الْعَالِمِ مَذْهَبًا لَكُمْ تُفْتُونَ وَتَقْضُونَ بِهَا وَقَدْ سَوَّغْتُمْ مِنْ تَقْلِيدِ هَذَا مَا سَوَّغْتُمْ مِنْ تَقْلِيدِ الْآخَرِ؟ فَكَيْفَ صَارَ هَذَا صَاحِبَ مَذْهَبِكُمْ دُونَ هَذَا؟ وَكَيْفَ اسْتَجَزْتُمْ أَنْ تَرُدُّوا أَقْوَالَ هَذَا وَتَقْبَلُوا أَقْوَالَ هَذَا وَكِلَاهُمَا عَالِمٌ يَسُوغُ اتِّبَاعُهُ؟ فَإِنْ كَانَتْ أَقْوَالُهُ مِنْ الدِّينِ فَكَيْفَ سَاغَ لَكُمْ دَفْعُ الدِّينِ؟ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقْوَالُهُ مِنْ الدِّينِ فَكَيْفَ سَوَّغْتُمْ تَقْلِيدَهُ؟ وَهَذَا لَا جَوَابَ لَكُمْ عَنْهُ.
[مَجِيءُ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ كَمَجِيءِ قَوْلَيْنِ لِإِمَامَيْنِ]
[مَجِيءُ رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ كَمَجِيءِ قَوْلَيْنِ لِإِمَامَيْنِ] : يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ: أَنَّ مَنْ قَلَّدْتُمُوهُ إذَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْلَانِ وَرِوَايَتَانِ سَوَّغْتُمْ الْعَمَلَ بِهِمَا، وَقُلْتُمْ: مُجْتَهِدٌ لَهُ قَوْلَانِ؛ فَيَسُوغُ لَنَا الْأَخْذُ بِهَذَا وَهَذَا، وَكَانَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا مَذْهَبًا لَكُمْ، فَهَلَّا جَعَلْتُمْ قَوْلَ نَظِيرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ الْآخَرِ وَجَعَلْتُمْ الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا مَذْهَبًا لَكُمْ، وَرُبَّمَا كَانَ قَوْلُ نَظِيرِهِ وَمَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ أَرْجَحَ مِنْ قَوْلِهِ الْآخَرِ وَأَقْرَبَ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؟ يُوَضِّحُهُ الْوَجْهُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ: أَنَّكُمْ مَعَاشِرَ الْمُقَلِّدِينَ إذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِكُمْ مِمَّنْ قَلَّدْتُمُوهُ قَوْلًا خِلَافَ قَوْلِ الْمَتْبُوعِ أَوْ خَرَّجَهُ عَلَى قَوْلِهِ جَعَلْتُمُوهُ وَجْهًا وَقَضَيْتُمْ وَأَفْتَيْتُمْ بِهِ وَأَلْزَمْتُمْ بِمُقْتَضَاهُ، فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ الَّذِي هُوَ نَظِيرُ مَتْبُوعِكُمْ أَوْ فَوْقَهُ قَوْلًا يُخَالِفُهُ لَمْ تَلْتَفِتُوا إلَيْهِ وَلَمْ تَعُدُّوهُ شَيْئًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ نَظِيرُ مَتْبُوعِكُمْ أَجَلُّ مِنْ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إلَى آخِرِهِمْ، فَقَدِّرُوا أَسْوَأَ الْمَقَادِيرِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بِمَنْزِلَةِ وَجْهٍ فِي
الصفحة 195
307