كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين (اسم الجزء: 2)

: {وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَقَالَ: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] وَقَالَ {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] فَكَذَلِكَ زِيَادَةُ الْوَاجِبِ عَلَى الْوَاجِبِ إنَّمَا يَزِيدُهُ قُوَّةً وَتَأْكِيدًا وَثُبُوتًا، فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهِ اتِّصَالَ الْجَزَاءِ وَالشَّرْطِ كَانَ ذَلِكَ أَقْوَى لَهُ وَأَثْبَتُ وَآكَدُ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ وَالْفِطْرَةِ مِنْ جَعْلِ الزِّيَادَةِ مُبْطِلَةً لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ نَاسِخَةً لَهُ.
الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَتَضَمَّنْ النَّهْيَ عَنْ الْمَزِيدِ وَلَا الْمَنْعَ مِنْهُ، وَذَلِكَ حَقِيقَةُ النَّسْخِ، وَإِذَا انْتَفَتْ حَقِيقَةُ النَّسْخِ اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ.
الْوَجْهُ السَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي النَّسْخِ مِنْ تَنَافِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخَ، وَامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا، وَالزِّيَادَةُ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَلَا اجْتِمَاعُهُمَا مُمْتَنِعٌ.
الْوَجْهُ الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ نَسْخًا لَكَانَتْ إمَّا نَسْخًا بِانْفِرَادِهَا عَنْ الْمَزِيدِ أَوْ بِانْضِمَامِهَا إلَيْهِ، وَالْقِسْمَانِ مُحَالٌ؛ فَلَا يَكُونُ نَسْخًا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا لَا حُكْمَ لَهَا بِمُفْرَدِهَا أَلْبَتَّةَ؛ فَإِنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ نَاسِخَةً بِانْضِمَامِهَا إلَى الْمَزِيدِ كَانَ الشَّيْءُ نَاسِخًا لِنَفْسِهِ وَمُبْطِلًا لِحَقِيقَتِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِأَنَّ النَّسْخَ يَقَعُ عَلَى حُكْمِ الْفِعْلِ دُونَ نَفْسِهِ وَصُورَتِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُجْدِي عَلَيْهِمْ شَيْئًا، وَالْإِلْزَامُ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ عَلَيْهِ قَدْ نَسَخَ حُكْمَ نَفْسِهِ وَجَعَلَ نَفْسَهُ إذَا انْفَرَدَ عَنْ الزِّيَادَةِ غَيْرَ مُجْزِئٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُجْزِئًا.
الْوَجْهُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لَا تَكُونُ نَسْخًا لَهَا، بَلْ أَوْلَى؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
الْوَجْهُ الْعِشْرُونَ: أَنَّ نَسْخَ الزِّيَادَةِ لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِوُجُوبِهِ أَوْ لِإِجْزَائِهِ، أَوْ لِعَدَمِ وُجُوبِ غَيْرِهِ، أَوْ لِأَمْرٍ رَابِعٍ، وَهَذَا كَزِيَادَةِ التَّغْرِيبِ مَثَلًا عَلَى الْمِائَةِ جَلْدَةٍ، لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَاسِخَةً لِوُجُوبِهَا فَإِنَّ الْوُجُوبَ بِحَالِهِ، وَلَا لِإِجْزَائِهَا؛ لِأَنَّهَا مُجْزِئَةٌ عَنْ نَفْسِهَا، وَلَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ رَفْعٌ لِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ؛ فَلَوْ كَانَ رَفْعُهَا نَسْخًا كَانَ كُلَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ شَيْئًا بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ قَدْ نُسِخَ بِهِ مَا قَبْلَهُ، وَالْأَمْرُ الرَّابِعُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ وَلَا مَعْقُولٍ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: بَلْ هَهُنَا أَمْرٌ رَابِعٌ مَعْقُولٌ، وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ فَإِنَّهُ نُسِخَ بِالزِّيَادَةِ، وَهَذَا غَيْرُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.

الصفحة 229