كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين (اسم الجزء: 2)
صَلَّى فِي رَحْلِهِ ثُمَّ جَاءَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً، وَقَالَهُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهِيَ سَبَبُ الْحَدِيثِ، وَأَمَرَ الدَّاخِلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ.
[فَرْقٌ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ]
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِإِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَقَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِيهَا أَمْرٌ بِإِتْمَامٍ لَا بِابْتِدَاءٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَهْيٌ عَنْ ابْتِدَائِهَا لَا عَنْ اسْتِدَامَتِهَا؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: " لَا تُتِمُّوا الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا تُصَلُّوا ".
وَأَيْنَ أَحْكَامُ الِابْتِدَاءِ مِنْ الدَّوَامِ وَقَدْ فَرَّقَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ بَيْنَهُمَا؟ فَلَا تُؤْخَذُ أَحْكَامُ الدَّوَامِ مِنْ أَحْكَامِ الِابْتِدَاءِ وَلَا أَحْكَامُ الِابْتِدَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الدَّوَامِ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِ الشَّرِيعَةِ؛ فَالْإِحْرَامُ يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ وَالطِّيبِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِمَا، وَالنِّكَاحُ يُنَافِي قِيَامَ الْعِدَّةِ وَالرِّدَّةِ دُونَ اسْتِدَامَتِهَا، وَالْحَدَثُ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ، وَزَوَالُ خَوْفِ الْعَنَتِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ عَلَى الْأَمَةِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَالزِّنَا مِنْ الْمَرْأَةِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَالذُّهُولُ عَنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ يُنَافِي ابْتِدَاءَهَا دُونَ اسْتِدَامَتِهَا، وَفَقْدُ الْكَفَاءَةِ يُنَافِي لُزُومَ النِّكَاحِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ، وَحُصُولُ الْغِنَى يُنَافِي جَوَازَ الْأَخْذِ مِنْ الزَّكَاةِ ابْتِدَاءً وَلَا يُنَافِيهِ دَوَامًا.
وَحُصُولُ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ وَالْجُنُونِ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا يُنَافِي دَوَامَهُ، وَطَرَيَانُ مَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ مِنْ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهَا عَلَى الدَّوَامِ وَيَمْنَعُهُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ تَمْنَعُ التَّكْفِيرَ بِالصَّوْمِ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى هَدْيِ التَّمَتُّعِ تَمْنَعُ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّوْمِ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَاءِ ابْتِدَاءُ التَّيَمُّمِ اتِّفَاقًا، وَفِي مَنْعِهِ لِاسْتِدَامَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا، وَلَوْ غَصَبَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ مَنْ لَا يَقْدِرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا مِنْهُ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ وَخُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَإِمْضَائِهِ، وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ ابْتِدَاءِ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ اسْتِدَامَتِهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَيَّبُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ فَاسْتَدَامَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ ابْتَدَأَهُ حَنِثَ، وَأَضْعَافُ أَضْعَافِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ؛ فَيُحْتَاجُ فِي ابْتِدَائِهَا إلَى مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي دَوَامِهَا، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الدَّوَامِ وَثُبُوتِهِ وَاسْتِقْرَارِ حُكْمِهِ، وَأَيْضًا فَهُوَ مُسْتَصْحَبٌ بِالْأَصْلِ، وَأَيْضًا فَالدَّافِعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّافِعِ، وَأَيْضًا فَأَحْكَامُ التَّبَعِ يَثْبُتُ فِيهَا مَا لَا يَثْبُتُ فِي الْمَتْبُوعَاتِ، وَالْمُسْتَدَامُ تَابِعٌ لِأَصْلِهِ الثَّابِتِ؛ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ لَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ، فَكَيْفَ وَقَدْ تَوَارَدَ عَلَيْهِ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ؟
الصفحة 246
307