كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين (اسم الجزء: 2)

وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي.
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: ابْنُ لَهِيعَةَ كَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ وَهْبٍ يَتَّبِعَانِ أُصُولَهُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: مَنْ كَتَبَ عَنْهُ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ مِثْلُ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَابْنِ الْمُقْرِي أَصَحُّ مِمَّنْ كَتَبَ عَنْهُ بَعْدَ احْتِرَاقِهَا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كَانَ ابْنُ لَهِيعَةَ صَادِقًا، وَقَدْ انْتَقَى النَّسَائِيّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثِهِ، وَأَخْرَجَهُ، وَاعْتَمَدَهُ، وَقَالَ: مَا أَخْرَجْت مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ قَطُّ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا أَخْبَرْنَاهُ هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ ثنا مُعَافَى بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، فَذَكَرَهُ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْبَارُّ وَاَللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَنْ كَانَ مِثْلَ ابْنِ لَهِيعَةَ بِمِصْرَ فِي كَثْرَةِ حَدِيثِهِ وَضَبْطِهِ وَإِتْقَانِهِ؟ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ لَهِيعَةَ الْأُصُولُ وَعِنْدَنَا الْفُرُوعُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ: مَا كَانَ مُحَدِّثُ مِصْرَ إلَّا ابْنَ لَهِيعَةَ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْحَافِظُ: كَانَ ابْنُ لَهِيعَةَ صَحِيحَ الْكِتَابِ طَالِبًا لِلْعِلْمِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ صَالِحًا لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ عَنْ الضُّعَفَاءِ، ثُمَّ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ، وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ: سَمَاعُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ مِثْلُ الْعَبَادِلَةِ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالْمُقْرِي وَالْقَعْنَبِيِّ فَسَمَاعُهُمْ صَحِيحٌ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَجَدَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وَصَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَجَدَ فِي النَّجْمِ» ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ وَحَدِيثٍ ضَعِيفٍ: أَمَّا الرَّأْيُ فَهُوَ أَنَّ آخِرَ الْحَجِّ السُّجُودُ فِيهَا سُجُودُ الصَّلَاةِ لِاقْتِرَانِهِ بِالرُّكُوعِ، بِخِلَافِ الْأُولَى؛ فَإِنَّ السُّجُودَ فِيهَا مُجَرَّدٌ عَنْ ذِكْرِ الرُّكُوعِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ قَوْله تَعَالَى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] مِنْ مَوَاضِعِ السَّجَدَاتِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ فَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ثنا أَزْهَرُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا أَبُو قُدَامَةَ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ» .
فَأَمَّا الرَّأْيُ فَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وُجُوهٌ:
مِنْهَا أَنَّهُ مَرْدُودٌ بِالنَّصِّ، وَمِنْهَا أَنَّ اقْتِرَانَ الرُّكُوعِ بِالسُّجُودِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْضِعَ سَجْدَةٍ، كَمَا أَنَّ أَقْتِرَانَهُ بِالْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ الرُّكُوعِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ سَجْدَةً، وَقَدْ صَحَّ سُجُودُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّجْمِ، وَقَدْ قَرَنَ السُّجُودَ فِيهَا بِالْعِبَادَةِ كَمَا قَرَنَهُ بِالْعِبَادَةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ، وَالرُّكُوعُ لَمْ يَزِدْهُ إلَّا تَأْكِيدًا، وَمِنْهَا أَنَّ أَكْثَرَ السَّجَدَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ مُتَنَاوِلَةٌ لِسُجُودِ الصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: 15] يَدْخُلُ فِيهِ سُجُودُ الْمُصَلِّينَ قَطْعًا،

الصفحة 294