كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 2)
زهرة وغدر [1] ، وخرج ولده وعمرو معهم يجتنون الكمأة [2] ، فكانوا إذا أصابوا كمأة جيدة أكلوها، وإذا أصابها عمرو خبأها فِي حجزته [3] ، فانصرفوا إِلَى جذيمة يتعادون وعمرو يقول [4] :
هَذَا جناي وخياره فيه ... إذ كل جان يده إِلَى فيه
فضمه إليه جذيمة والتزمه وسر بقوله وفعله، وأمر فجعل له حلي من فضة وطوق من فضة. فكان أول عربي ألبس طوقا، فكان يسمى عمرو ذا [الطوق] [5] . فبينما هو عَلَى أحسن حاله استطاره الجن [فاستهوته] [6] ، فضرب جذيمة فِي الآفاق فلم يقدر عَلَيْهِ.
وأقبل رجلان أخوان من بلقين [بهدايا يريدان جذيمة] [7] يقال لهما: مالك وعقيل [8] فنزلا ببعض الطريق منزلا ومعهما قينة [9] لهما يقال لها: أم عمرو، فقدمت إليهما طعاما، / فبينما هما يأكلان أقبل فتى عريان شاحب، قد تلبد شعره وطالت أظفاره وساءت حاله، فجاء حَتَّى جلس حجرة [10] منهما، فمد يده إليهما يريد الطعام، فناولته القينة كراعا [11] [فأكلها] [12] ثم مد يده إليها، فقالت: «تعطي العَبْد كراعا فيطمع فِي الذراع» . فذهبت مثلا ثم ناولت الرجلين من شراب كان معها فأوكت زقها [13] ، فَقَالَ عمرو بْن عدي:
__________
[1] غدر: جمع غدير.
[2] الكمء: فطر من الفصيلة الكمئيّة، وهي أرضية، تنتفخ حاملات أبواغها فتجبى وتؤكل مطبوخة، ويختلف حجمها بحسب الأنواع.
[3] الحجزة: معقد الإزار.
[4] انظر الشعر في: ديوان الإمام علي جمعه وشرحه نعيم زرزور طبعة دار الكتب العلمية ص 213، وما أشار إليه في حاشيته الطبعة الأولى والّذي يعكف على استزادته والتعليق عليه في طبعة ثانية إن شاء الله.
[5] «الطوق» . من الطبري وانظر المثل 3017 من مجمع الأمثال للميداني (شب عمر عن الطوق) .
[6] «فاستهوته» من الطبري.
[7] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[8] في ت: «يقال لأحدهما مالك والآخر، عقيل» .
[9] القينة: المغنية.
[10] الحجرة: الناحية.
[11] الكراع: مستدق الساق من البقر والغنم.
[12] ما بين المعقوفتين: سقط من الأصل، وأثبتناه من ت.
[13] الزق: السقاء، وأوكى الزق: ربطه وشد عليه.