كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (اسم الجزء: 2)

فانطلق وصنع ما أمرته به، وأرادت أن تعرف عمرو بْن عدي فلا تراه عَلَى حال إلا عرفته وحذرته وعلمت علمه. فَقَالَ قصير لعمرو بْن عدي: أجدع أنفي واضرب ظهري، ودعني وإياها فَقَالَ عَمْرو: ما أنا بفاعل وما أنت لذلك بمستحق [1] مني. فَقَالَ قصير:
«خل عني إذا وخلاك ذم» . فذهبت مثلًا.
وَقَالَ ابن الكلبي: كان أبوها اتخذ لها [2] النفق ولأختها، وكان الحصن لأختها فِي داخل مدينتها، قَالَ: فَقَالَ له عمرو: فأنت أبصر، فجدع أنفه وضرب ظهره فقالت العرب: «لمكر ما جدع قصير أنفه» .
وَفِي ذلك يقول الملتمس:
ومن حذر الأوتار ما جز أنفه ... قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
[3] ثم خرج قصير كأنه هارب، وأظهر أن عمرا فعل به ذلك، وأنه يزعم أنه مكر بخاله جذيمة، وغره من الزباء. فسار قصير حَتَّى قدم عليها، فتسبب فِي قتلها [4] .
وَقَالَ مؤلف الكتاب: وقد رويت لنا هَذِهِ القصة عَلَى خلاف هَذَا، وأن جذيمة طرد الزباء ثم طلب أن يتزوجها، ونحن نوردها لتعلم قدر الاختلاف.
أَنْبَأَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن خيرون أَنْبَأَنَا أحمد بْن علي بْن ثابت [الخطيب] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَليّ بْن الحسين بْن موسى العلوي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد: سهل بْن أحمد الديباجي، قَالَ: أَخْبَرَنَا قاسم بْن جعفر السراج، قَالَ: أَخْبَرَنَا يعقوب بْن الناقد، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عمرو بْن الفرج، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبي، عَنْ يونس بْن حبيب النحوي.
قَالَ الديباجي: وَحَدَّثَنَا القاضي أَبُو مُحَمَّد: عَبْد الله بن أحمد الربعي، قال:
__________
[1] في ت: «بمستحق ذلك» .
[2] في ت، والطبري: «كان أبو الزباء اتخذ النفق لها» .
[3] في الأصل: «ينهس» . «وبيهس» رجل من فزارة كان يجمعه، فقتل له سبعة إخوة، فجعل يلبس القميص مكان السراويل، والسراويل مكان القميص، فإذا سئل عن ذلك قال: ألبس لكل عيشة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها. فتوصل بما صوره من حاله عند الناس إلى أن طالب بدماء إخوته (الحماسة 2/ 658) .
[4] ذكر الطبري كيفية قتلها 1/ 623- 625، وهي قصة مقاربة لما سيذكره المصنف بسنده فيما يلي.

الصفحة 59