كتاب الأموال للقاسم بن سلام - ت: سيد رجب (اسم الجزء: 2)

#115#
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذَا مَا قَالَ السَّلَفُ فِي صَدَقَةِ مَالِ الْيَتِيمِ.
1234 - (1324) وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فَإِنَّ رَايَهُ كَانَ عَلَى مِثْلِ الْأَحَادِيثِ الْأُولَى، يَرَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَفِي مَالِ الْمَعْتُوهِ أَيْضًا.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوٌ مِنْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
1235 - (1325) قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَالِ الْمَجْنُونِ، هَلْ فِيهِ زَكَاةٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
1236 - (1326) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَمَّا سُفْيَانُ فَكَانَ يَاخُذُ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: أَحْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنَ الزَّكَاةِ، فَإِذَا كَبِرَ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِ، وَأَخْبِرْهُ بِمَا عَلَيْهِ
(1327) وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ سِوَى سُفْيَانَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، فَلَا يَرَوْنَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ زَكَاةً، وَلَا يَرَوْنَ عَلَى وَصِيِّهِ إِحْصَاءُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا إِعْلَامَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا قَاسُوا ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَرْضُ الصَّلَاةِ.
(1328) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ لَا يُقَاسُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّهَا أُمَّهَاتٌ، تَمْضِي كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى فَرْضَهَا وَسُنَّتِهَا، وَقَدْ وَجَدْنَاهَا مُخْتَلِفَةً فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: أَنَّ الزَّكَاةَ تُخْرَجُ قَبْلَ حِلِّهَا وَوُجُوبِهَا، فَتُجْزِئُ عَنْ صَاحِبِهَا فِي قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّغِيرِ إِذَا كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ فِي قَوْلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَهُوَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُكَاتَبَ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، فَالصَّلَاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الصَّبِيِّ، وَالصَّدَقَةُ فِي أَرْضِهِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ عَنِ الْمُكَاتَبِ، وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، فَهَذَا اخْتِلَافٌ مُتَفَاوِتٌ. وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ أَيْضًا، #116# أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ، وَأَنَّ الْآكِلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّ النَّاسِيَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا ذَكَرَهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ يَسَعُهُ الْإِفْطَارُ إِلَى أَنْ يَصِحَّ، وَهُوَ لَا يُجْزِيهِ تَاخِيرُ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَقْضِيَهَا فِي وَقْتِهَا عَلَى مَا بَلَغَتْهُ طَاقَتُهُ مِنَ الْجُلُوسِ، أَوِ الْإِيمَاءِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ الَّذِي يَقِيسُ الْفَرَائِضَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ عَمَّا ذَكَرْنَا؟ وَمِمَّا يُبَاعِدُ حُكْمَ الصَّلَاةِ مِنَ الزَّكَاةِ أَيْضًا أَنَّ الصَّلَاةَ إِنَّمَا هِيَ حَقٌّ يَجِبُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الْفُقَرَاءِ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ، وَإِنَّمَا مِثْلُهَا كَالصَّبِيِّ يَكُونُ لَهُ الْمَمْلُوكُ، أَفَلَسْتَ تَرَى أَنَّ نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ، كَمَا تَجِبُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ لِهَذَا الصَّبِيِّ زَوْجَةٌ زَوَّجَهُ إِيَّاهَا أَبُوهُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ، فَأَخَذَتْهُ بِالصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ضَيَّعَ لِإِنْسَانٍ مَالًا، أَوْ خَرَقَ لَهُ ثَوْبًا، كَانَ عَلَيْهِ دَيْنًا فِي مَالِهِ؟ وَأَشْبَاهٌ لِهَذَا كَثِيرَةٌ. فَهَذَا أَشْبَهُ بِالزَّكَاةِ مِنَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَلَيْسَتِ الصَّلَاةُ كَذَلِكَ، أَفَلَا يُسْقِطُونَ عَنْهُ هَذِهِ الدُّيُونَ إِذْ كَانَتِ الصَّلَاةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؟ وَفِيهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا: لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَوَّجَ ابْنةً لَهُ صَغِيرَةً، فَمَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا، أَوْ طَلَّقَهَا، كَانَتِ الْعِدَّةُ لَازِمَةً لَهَا بِالطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ جَمِيعًا، لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ أَعْلَمُهُ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَبُوهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَانَ نِكَاحُهَا بَاطِلًا، كَبُطُولِ نِكَاحِ الْكَبِيرَةِ فِي الْعِدَّةِ، فَلَا يُسْقِطُ الْحَرَجُ عَنْهَا فِي هَذَا، أَوْ عَنْ زَوْجِهَا أَنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا. فَالْأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ الْبَدْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ، مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَاوِيلِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ هُوَ عِنْدِي مِثْلُ الصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

الصفحة 115