كتاب الأموال للقاسم بن سلام - ت: سيد رجب (اسم الجزء: 2)

#12#
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ يُسْتَانَفُ بِهَا الْفَرِيضَةُ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ يَقُولُ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَبِهِ كَانَ يَاخُذُ سُفْيَانُ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ، وَفِي ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ، وَفِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَأَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَلَى تَاوِيلِ حَدِيثِ عَلِيٍّ حِقَّتَانِ وَخَمْسُ شِيَاهٍ، وَفِي قَوْلِ سُفْيَانَ، وَقَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ، فَإِذَا كَمَّلَتِ الْإِبِلُ خَمْسِينَ وَمِائَةً كَانَتْ فِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا اسْتُؤْنِفَ بِهَا أَيْضًا كَمَا ابْتُدِئَتْ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا كَانَتْ فِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، فَإِذَا زَادَتِ اسْتُؤْنِفَ بِهَا أَيْضًا عَلَى مَا فَسَّرْنَا، فَهَذَا مَذْهَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَمَا يَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهَا إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ كَانَتْ فِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَرْفَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ سِوَى هَذَا، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، وَأَخَافُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْفُوظٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عَلَى حِسَابِ أَوَّلِ الْفَرَائِضِ، وَلَا عَلَى آخِرِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهَا فِي الِابْتِدَاءِ إِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَانَتْ فِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً انْتَقَلَتِ الْفَرِيضَةُ بِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ إِلَى السِّنِّ الَّتِي فَوْقَهَا، فَصَارَ فِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، ثُمَّ أَسْنَانُ الْفَرَائِضِ كُلُّهَا عَلَى هَذَا، فَذَاكَ حِسَابُ أَوَّلِ الْفَرِيضَةِ، فَلَوْ جَعَلَهُ عَلَيْهِ لَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَهَذَا حِسَابُ أَوَّلِهَا، وَأَمَّا آخِرُهَا فَإِنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، فَلَوْ جَعَلَهَا عَلَى هَذَا لَكَانَتْ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إِنَّمَا تَجِبُ فِي عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ وَاحِدَةً، وَهَذِهِ قَدْ زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ، ثُمَّ لَا أَرَاهُ نَقَلَهَا إِلَى السِّنِّ الَّتِي فَوْقَهَا، فَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى حِسَابِ أَدْنَى الْفَرَائِضِ، وَلَا أَقْصَاهَا. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي فِي حَدِيثِ حَبِيبٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةً، ثُمَّ يَكُونَ فِيهَا حِينَئِذٍ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ. فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ شَنَقٌ كَسَائِرِ #13# الْأَشْنَاقِ الَّتِي لَا يُحْتَسَبُ بِهَا، وَهِيَ الْأَوْقَاصُ فِي الْبَقَرِ، وَذَلِكَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، ثُمَّ هِيَ إِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَإِنَّمَا تَجِبُ فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ أَيْضًا، وَلَا تَعُودُ إِلَى الْغَنَمِ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا أَفْرَضَتْ مَرَّةً، وَلَمْ تَعُدْ صَدَقَتُهَا غَنَمًا بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِفْرَاضُهَا أَنْ تَبْلُغَ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَتَنْتَقِلَ مِنَ الْغَنَمِ إِلَى بِنْتِ مَخَاضٍ. وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى دَارَتِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كُلَّهَا، سِوَى حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنْ كَانَ حُفِظَ عَنْهُ.

الصفحة 12