كتاب الأموال للقاسم بن سلام - ت: سيد رجب (اسم الجزء: 2)

#32#
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَ مَالِكٍ فِي الْبَقَرِ خَاصَّةً، وَإِنَّمَا ذَهَبَ فِيمَا نَرَى إِلَى مَذْهَبِهِ فِي الْإِبِلِ؛ أَنَّ الْجُمْلَةَ جَاءَتْ بِالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ، فَحَمَلَ الْمَعْنَى عَلَى الْجَمِيعِ، حَتَّى أَدْخَلَ فِيهَا الْعَوَامِلَ وَالْحَوَارِثَ، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْوَجْهَ، لَوْلَا أَنْ تَوَاتَرَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا خَاصَّةً، مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ، ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى الْيَوْمِ، وَبِهِ يَاخُذُ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَهُوَ رَايُ سُفْيَانَ.
981 - (1014) وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ مَالِكٍ، فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمَعَ هذا أَنَّكَ إِذَا صِرْتَ إِلَى النَّظَرِ وَجَدْتَ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالُوا، أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِي الْعَوَامِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا إِذَا اعْتُمِلَتْ، وَاسْتَمْتَعَ بِهَا النَّاسُ صَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الدَّوَابِّ الْمَرْكُوبَةِ، وَالَّتِي تَحْمِلُ الْأَثْقَالَ مِنَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، أَشْبَهَتِ الْمَمَالِيكَ وَالْأَمْتِعَةَ، فَفَارَقَ حُكْمُهَا حُكْمَ السَّائِمَةِ لِهَذَا.
(1015) وَأَمَّا الْجِهَةُ الْأُخْرَى فَالَّتِي فَسَّرَهَا ابْنُ شِهَابٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ تَسْنُو وَتَحْرُثُ، فَإِنَّ الْحَبَّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ إِنَّمَا يَكُونُ حَرْثُهُ وَسَقْيُهُ وَدِيَاسُهُ بِهَا، فَإِذَا صُدِّقَتْ هِيَ أَيْضًا مَعَ الْحَبِّ، صَارَتِ الصَّدَقَةُ مُضَاعَفَةً عَلَى النَّاسِ. فَهَذِهِ أَحْكَامُ صَدَقَةِ الْبَقَرِ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: فَأَحَدُهَا: أَنَّهَا إِذْ كَانَتْ بَقَرًا مُبَقَّرَةً وَهِيَ السَّوَائِمُ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلنَّسْلِ وَالنَّمَاءِ فَصَدَقَتُهَا عَلَى مَا قَصَصْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ التَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ. الصِّنْفُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ يُرَادُ بِهَا التِّجَارَةُ، فَسُنَّتُهَا فِي الصَّدَقَةِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، فَيُقَوِّمُهَا رَبُّهَا فِي رَاسِ الْحَوْلِ، ثُمَّ يَضُمُّهَا إِلَى مَالِهِ، وَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالَا فَصَاعِدًا، زَكَّاهُ كَمَا يُزَكِّي الْعَيْنَ وَالْوَرِقَ سَوَاءً، فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي كُلِّ عِشْرِينَ مِثْقَالَا نِصْفُ مِثْقَالَ، وَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ. #33# وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ: هَذِهِ الْعَوَامِلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَلَا صَدَقَةَ فِيهَا. وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ إِذَا كَانَتْ مُؤَبَّلَةً يُبْتَغَى نَسْلُهَا وَنَمَاؤُهَا، فَصَدَقَتُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُتُبِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ، أَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً، ثُمَّ عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَوَامِلَ، فَلَا شَيْءَ فِيهَا.

الصفحة 32