كتاب الأموال للقاسم بن سلام - ت: سيد رجب (اسم الجزء: 2)

(1238) فَأَمَّا زَكَاةُ عَامٍ وَاحِدٍ فَلَا نَعْرِفُ لَهَا وَجْهًا، وَلَيْسَ الْقَوْلُ عِنْدِي إِلَّا عَلَى مَا قَالَا إِنَّهُ يُزَكِّيهِ لِمَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ تَعْجِيلُ إِخْرَاجِهَا مِنْ مَالِهِ فِي كُلِّ عَامٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَائِسًا مِنْهُ، فَأَمَّا وُجُوبُهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ لِذَلِكَ الْمَالِ رَبًّا. فَهَذَا مَا فِي تَزْكِيَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ.
(1239) فَإِنْ لَمْ يُرِدْ صَاحِبُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْأَدَاءِ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ تَرْكَ الدَّيْنِ لِلَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَحْسِبَهُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ، فَإِنَّ هَذَا قَدْ أَرْخَصَ فِيهِ بَعْضُ التَّابِعِينَ.
1164 - (1240) قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: لِي عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، وَهُوَ مُعْسِرٌ، أَفَأَدَعُهُ لَهُ، وَأَحْتَسِبُ بِهِ مِنْ زَكَاةِ مَالِي؟ فَقَالَ: «نَعَمْ».
1165 - (1242) قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَاسًا، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَرْضٍ. قَالَ: فَأَمَّا بُيُوعُكُمْ هَذِهِ فَلَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا نَرَى الْحَسَنَ وَعَطَاءً كَانَا يُرَخِّصَانِ فِي ذَلِكَ لِمَذْهَبِهِمَا كَانَ فِي الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ عَطَاءً كَانَ لَا يَرَى فِي الدَّيْنِ زَكَاةً، وَإِنْ كَانَ عَلَى الثِّقَةِ الْمَلِيءِ، وَأَنَّ الْحَسَنَ كَانَ ذَلِكَ رَايَهُ فِي الدَّيْنِ الضِّمَارِ، وَهَذَا الَّذِي عَلَى الْمُعْسِرِ هُوَ ضِمَارٌ لَا يَرْجُوهُ، فَاسْتَوَى قَوْلُهُمَا هَاهُنَا، فَلَمَّا رَأَيَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ حَقُّ اللَّهِ فِي مَالِهِ هَذَا الْغَائِبِ، جَعَلَاهُ كَزَكَاةٍ قَدْ كَانَ أَخْرَجَهَا فَأَنْفَذَهَا إِلَى هَذَا الْمُعْسِرِ، وَبَانَتْ مِنْ مَالِهِ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهَا الزَّكَاةَ، وَأَنْ يُبْرِئَ صَاحِبَهُ مِنْهَا، فَرَأَيَاهُ مُجْزِئًا عَنْهُ إِذَا جَاءَتِ النِّيَّةُ وَالْإِبْرَاءُ. وَهَذَا مَذْهَبٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَعْمَلُ بِهِ، وَلَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ وَأَهْلِ الرَّايِ.
1166 - (1243) وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ فِيمَا حَكَوْا عَنْهُ يَكْرَهُهُ، وَلَا يَرَاهُ مُجْزِئًا، فَسَأَلْتُ #94# عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى مِثْلِ رَايِ سُفْيَانَ. وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدِي غَيْرُ مُجْزِئٍ عَنْ صَاحِبِهِ لِخِلَالٍ اجْتَمَعَتْ فِيهِ.
(1244) أَمَّا إِحْدَاهَا: فَإِنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ كَانَتْ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَاخُذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِ عَنْ ظَهْرِ أَيْدِي الْأَغْنِيَاءِ، ثُمَّ يَرُدُّهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَكَذَلِكَ كَانَتِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَاتِنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَذِنَ لِأَحَدٍ فِي احْتِسَابِ دَيْنٍ مِنْ زَكَاةٍ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّاسَ قَدْ كَانُوا يُدَانُونَ فِي دَهْرِهِمْ.
(1245) الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا مَالٌ تَاوي غَيْرُ مَوْجُودٍ، قَدْ خَرَجَ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى مَعْنَى الْقَرْضِ وَالدَّيْنِ، ثُمَّ هُوَ يُرِيدُ تَحْوِيلَهُ بَعْدَ التَّوَاءِ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ، فَهَذَا لَيْسَ بِجَائِزٍ فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَقْبِضَ ذَلِكَ الدَّيْنَ، ثُمَّ يُسْتَانَفُ الْوَجْهُ الْآخَرُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟.
(1246) وَالثَّالِثَةُ: أَنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِهَذَا الدَّيْنِ قَدْ يَئِسَ مِنْهُ، فَيَجْعَلُهُ رِدْءًا لِمَالِهِ يَقِيهِ بِهِ، إِذَا كَانَ مِنْهُ يَائِسًا، وَلَيْسَ يَقْبَلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا مَا كَانَ فِي زَكَاةِ الدُّيُونِ إِذَا كَانَتْ لِلرَّجُلِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ فَغَيْرُ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ أَيْضًا.

الصفحة 93