كتاب فيض القدير - ط العلمية (اسم الجزء: 2)

كاذب ويحتمل كونه من اللحن وهو الصرف عن الصواب أي يكون أعجز عن الإعراب (بحجته من بعض) آخر فيغلب خصمه (فأقضي) فأحكم له أي للبعض الأول على الأول وللثاني على الثاني وإن كان الواقع أن الحق لخصمه لكنه لم يفطن لحجته ولم يقدر على معارضته لكن إنما أقضي (على نحو) بالتنوين (ما أسمع) لبناء أحكام الشريعة على الظاهر وغلبة الظن ومن فيهما بمعنى لأجل أو بمعنى على أي أقضي على الظاهر من كلامه وتمسك بقوله أسمع من قال إن الحاكم لا يقضي بعلمه لإخباره بأنه لا يحكم إلا إذا سمع في مجلس حكمه وبه قال أحمد وكذا مالك في المشهور عنه وقال الشافعي يقضى به وقال أبو حنيفة في المال فقط (فمن قضيت له) بحسب الظاهر (بحق مسلم) ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكره المسلم تنبيها على أنه في حقه أشد وإن كان الذمي والمعاهد كذلك (فإنما هي) أي القصة أو الحكومة أو الحالة (قطعة من النار) أي مآلها إلى النار أو هو تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه شبه ما يقضى به ظاهرا بقطعة من نار نحو * (إنما يأكلون في بطونهم نارا) * [ النساء : 10 ] قال السبكي وهذه قضية شرطية لا يستدعي وجودها بل معناه أن ذا جائز ولم يثبت أنه حكم بحكم فبان خلافه (فليأخذها أو ليتركها) تهديد لا تخيير على وازن * (فمن شاء فليؤمن) * [ الكهف : 29 ] ذكره النووي واعترض بأنه إن أريد به أن كلا من الصنفين للتهديد فممنوع فإن قوله أو ليتركها للوجوب وهو خطاب للمقضى له ومعناه إن كان محقا فليأخذ أو مبطلا فليترك فالحكم لا ينقل الأصل عما كان عليه ولم يبين له ما هو الحق بالحق دفعا لهتك أسرار الأشرار وليقتدي به في الحكم ببينة أو يمين وما تقرر في معنى هذا الحديث هو ما نقحه بعض المتأخرين أخذا من قول القاضي إنما صدر بقوله (إنما أنا بشر) تأسيسا لجواز أن لا يطابق حكمه الواقع لأنه لا يعلم الغيب ولا يطلع على ما في الضمائر وإنما يحكم بما سمعه من المترافعين فلعل أحدهما أقدر على تقرير حجته فيقررها على وجه يظن أن الحق معه فيحكم له وفي الواقع لخصمه لكن لم
يفطن لحقه ولم يقدر على معارضته وتمهيدا لعذره فيما عسى أن يصدر عنه من أمثال ذلك ولو نادرا من قبيل الخطأ في الحكم إذ الحاكم مأمور بالحكم بالظاهر لا بما في نفس الأمر فلو أقام المبطل بينة زورا فظن الحاكم عدالتها فقضى فهو محق في الحكم وإن كان المحكوم به غير ثابت انتهى.
وقال القرطبي قد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة على بواطن كل من يتخاصم إليه فيحكم بحق ذلك لكن لما كان ذلك من جملة معجزاته صلى الله عليه وسلم لم يجعل الله ذلك طريقا عاما ولا قاعدة كلية للأنبياء ولا لغيرهم لاستمرار العادة بأن ذلك لا يقع لهم وإن وقع فنادر وتلك سنة الله في خلقه * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * [ الفتح : 23 ] قال وقد شاهدت بعض المحرفين وسمعت منهم أنهم يعرضون عن القواعد الشرعية ويحكمون بالخواطر القلبية ويقول الشاهد المتصل بي أعدل من الشاهد المنفصل عني وهذه مخرقة أبرزتها زندقة يقتل صاحبها قطعا وهذا خير البشر يقول في مثل هذا المواطن إنما أنا بشر معترفا بالقصور عن إدراك المغيبات وعاملا بما نصبه الله له من اعتبار الإيمان والبينات ، وفي الحديث شمول للأموال والعقود

الصفحة 716