كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 2)

هي قلب المخلص بِرَبْوَةٍ في رتبة عالية عند الحق أَصابَها وابِلٌ الواردات الربانية فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ الإلهامات فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ ضعف من نعيم الجنة وضعف من دولة الوصال وشهود ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فإن الله تعالى كما يعطي أهل الآخرة نصيبا من الدنيا بالتبعية ولا يعطي أهل الدنيا نصيبا من الآخرة، فكذلك يعطي أهل الله نصيبا من الآخرة بالتبعية ولا يعطي أهل الآخرة ما لأهل الله من القربة وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ كيف تعملون ولماذا تعملون لابتغاء المرضاة أو لاستيفاء اللذات واستبقاء الحياة. ثم ضرب مثلا لروح الإنسان وقلبه بجنة له فيها من كل الثمرات إذ خلق في أحسن تقويم، مستعدا لجميع الكرامات، مشرفا بعلم السمات، منورا بأنوار العقل والحواس السليمات، متوحدا بحمل الأمانة، متفردا برتبة الخلافة. جنة هي منظور نظر العناية تجري من تحتها أنهار الهداية، وأصاب صاحبها ضعف الإنسانية، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ من متولدات القوى البشرية في غاية الافتقار إلى التربية بأغذية ثمراتها فَأَصابَها إِعْصارٌ من أعمال البر فِيهِ نارٌ من الرياء والنفاق فَاحْتَرَقَتْ جنة الروحانية بنار صفات البشرية وتبدلت الأخلاق الروحية بالنفسية، والملكية بالشيطانية كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في إحسانه معكم بإيتاء الاستعداد الفطري، فلا تبطلوه بقبيح فعالكم، ولا تضيعوا أعماركم في طلب آمالكم، وتستعدوا للموت قبل حلول آجالكم والله المستعان وهو حسبي.

[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 274]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)

الصفحة 42