كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 2)

أن أصوم أو أصلي أو أعتق» فالأصح أنه يصح ويلزم الوفاء به لمطلق الخبر. وما يفرض التزامه بالنذر إما المعاصي وإما الطاعات وإما المباحات. فالمعاصي كشرب الخمر والزنا ونذر المرأة صوم أيام الحيض ونذر قراءة القرآن في حال الجنابة لا يصح التزامها بالنذر لأنه لا نذر في معصية الله تعالى، ومن هذا القبيل نذر ذبح الولد أو ذبح نفسه. وإذا لم ينعقد نذر فعل المعصية فعليه أن يمتنع منه ولا يلزمه كفارة يمين، وما
روي من أنه صلى صلى الله عليه وسلم قال: «لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين» «1»
محمول على نذر اللجاج، وأما الطاعات فالواجبات ابتداء بالشرع كالصلوات الخمس وصوم رمضان لا معنى لالتزامها بالنذر معلقا أو غير معلق، وكذا لو نذر أن لا يشرب الخمر ولا يزني، وإذا خالف ما ذكره فلا يلزمه الكفارة على الأصح. وأما غير الواجبات فالعبادات المقصودة وهي التي وضعت للتقرب بها وعرف من الشارع الاهتمام بتكليف الخلق بإيقاعها عبادة فتلزم بالنذر وذلك كالصوم والصلاة والزكاة والصدقة والحج والاعتكاف والإعتاق وكذا فروض الكفايات التي يحتاج فيها إلى معاناة تعب وبذل مال كالجهاد وتجهيز الموتى، ذكره إمام الحرمين- وفي الصلاة على الجنازة والأمر بالمعروف، وما ليس فيه بذل مال وكثير مشقة الأظهر اللزوم أيضا، وكما يلزم أصل العبادات بالنذر يلزم رعاية الصفة المشروطة فيها إذا كانت من المحبوبات كالصلاة بشرط طول القراءة أو الركوع أو السجود أو الحج بشرط المشي إذا جعلناه أفضل من الركوب وهو الأصح ولو أفرد الصفة بالالتزام. والأصل واجب كتطويل الركوع والسجود أو القراءة في الفرائض، فالأشبة اللزوم لأنها عبادات مندوب إليها. وأما الأعمال والأخلاق المستحسنة كعيادة المريض وزيارة القادم وإفشاء السلام على المسلمين فالأظهر لزومها أيضا بالنذر، وكذا تجديد الوضوء لأن كلها مما يتقرب بها إلى الله سبحانه، وقد رغب الشارع فيها. وأما المباحات التي لم يرد فيها ترغيب كالأكل والنوم والقيام والقعود فلو نذر فعلها أو تركها لم ينعقد نذره،
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فسأل عنه فقالوا: نذر أن لا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه.
ولو قال: «لله عليّ نذر» من غير تسمية لزمه كفارة يمين
لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نذر نذرا وسمى فعليه ما سمى، ومن نذر نذرا ولم يسم فعليه كفارة يمين» «2»
وَما لِلظَّالِمِينَ الذين يمنعون الصدقات، أو ينفقون أموالهم في المعاصي، أو للرياء، أو لا يوفون بالنذور، أو ينذرون في
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب الأيمان باب 19. الترمذي في كتاب النذور باب 1. النسائي في كتاب الأيمان باب 41. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب 16.
(2) رواه أبو داود في كتاب الأيمان باب 25. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب 17.

الصفحة 49