كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 2)

وإنما قيل وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ لأن المقصود من بعث المتصدق أن يتحرى موضع الصدقة فيصير عالما بالفقراء مميزا لهم عن غيرهم، فإذا تقدم منه هذا الاستظهار ثم أخفاها حصلت الفضيلة فلهذا شرط في الإخفاء أن يحصل معه إيتاء الفقراء. وأما في الإبداء فقلما يخفى حال الفقير فلهذا لم يصرح بالشرط. ونكفر عنكم من قرأ بالنون مرفوعا فهو عطف على محل ما بعد الفاء، لأن الأصل في الشرط والجزاء أن يكونا فعلين. فإذا وقع الجزاء فعلا مضارعا مع الفاء كان خبر مبتدأ محذوف. فقوله: فَهُوَ في تأويل. فيكون خيرا لكم ونكفر بالرفع عطف عليه، ويحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ونحن نكفر، وأن يكون جملة من فعل وفاعل مستأنفة. ومن قرأ مجزوما فهو عطف على محل الفاء وما بعده لأنه جواب الشرط كأنه قيل: وإن تخفوها تكن أعظم أجرا. وأما من قرأ وَيُكَفِّرُ بياء الغيبة مرفوعا فالإعراب كما مر في النون والضمير لله أو للإخفاء. وقرىء وتكفر بالتاء مرفوعا ومجزوما والضمير للصدقات، وقرأ الحسن بالياء والنصب بإضمار «إن» ومعناه:
وإن تخفوها تكن خيرا لكم وأن يكفر عنكم خير لكم. والتكفير في اللغة الستر والتغطية ومنه «كفر عن يمينه» أي ستر ذنب الحنث. وقوله: مِنْ سَيِّئاتِكُمْ يحتمل أن يكون «من» للتبعيض لأن السيئات كلها لا تكفر وإنما يكفر بعضها، ثم أبهم الكلام في ذلك البعض لأن بيانه كالإغراء على ارتكابها، وأحسن أحوال العبد أن يكون بين الخوف والرجاء. ويحتمل أن يكون للتعليل أي من أجل سيئاتكم كما لو قلت: ضربتك من سوء خلقك أي من أجل ذلك. وقيل: إنها زائدة. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ كأنه ندب بهذا الكلام إلى الإخفاء الذي هو أبعد من الرياء.
عن الكلبي أنه قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضاء وكانت معه أسماء بنت أبي بكر، فجاءتها أمها قتيلة وجدتها فسألتاها وهما مشركتان فقالت: لا أعطيكما شيئا حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنكما لستما على ديني. فاستأمرته في ذلك فأنزل الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها أن تتصدق عليهما فأعطتهما ووصلتهما.
قال الكلبي: ولها وجه آخر، وذلك أن ناسا من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار ورضاع في اليهود، وكانوا ينفعونهم قبل أن يسلموا. فلما أسلموا كرهوا أن ينفعوهم وراودوهم أن يسلموا واستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فأعطوهم بعد نزولها.
وعن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا إلا على أهل دينكم» فأنزل الله لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا على أهل الأديان»
وعن بعض العلماء: لو كان شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك. والعلماء أجمعوا على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى غير المسلم فتكون

الصفحة 52