كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 2)

المعتزلة بها على القطع بوعيد الفساق وعلى الإحباط. وقالت الأشاعرة: بل بشرط عدم العفو إِلَّا الَّذِينَ تابُوا قال الشافعي: إن تاب بعد القدرة عليه لم يسقط عنه ما يختص بقطع الطريق من العقوبات لأنه متهم حينئذ بدفع العذاب عنه وفي سائر الحدود بعد القدرة عليه. قيل: يكفي في التوبة إظهارها كما يكفي إظهار الإسلام تحت ظلال السيوف.
والأصح أنه لا بدّ مع التوبة من إصلاح العمل لقوله تعالى في الزنا فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما [النساء: 16] وفي السرقة فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ ولعل الفائدة في هذا الشرط أنه إن ظهر ما يخالف التوبة أقيم عليه الحد، وإنما يسقط بتوبة قاطع الطريق قبل القدرة عليه تحتم القتل. فالولي يقتص أو يعفو بناء على أن عقوبة قاطع الطريق لا تتمحض حدا بل يتعلق بها القصاص وهو الأظهر، أما إذا محضناه حدا فلا شيء عليه، وإن كان قد أخذ المال وقتل سقط الصلب وتحتم القتل. وفي القصاص وضمان المال ما ذكرنا وإن كان قد أخذ المال سقط عنه قطع الرجل. وفي قطع اليد وجهان: الأظهر السقوط أيضا بناء على أنه جزء من الحد الواجب فإذا لم يقم الكل لم يقم شيء من أجزائه بالاتفاق.
والثاني أنه ليس من خواص قطع الطريق لأنه يجب بالسرقة ففي سقوطه الخلاف في سائر الحدود.
ثم إنه سبحانه لما بيّن كمال جسارة اليهود على المعاصي وغاية بعدهم عن الوسائل إلى الله وآل الكلام إلى ما آل عاد إلى إرشاد المؤمنين ليكونوا بالضدّ منهم فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وأيضا فإنهم قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه أي نحن أبناء الأنبياء وكان افتخارهم بأعمال آبائهم فقيل للمؤمنين: لتكن مفاخرتكم بأعمالكم لا بأسلافكم فقوله: اتَّقُوا اللَّهَ إشارة إلى ترك المنهيات وقوله: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ عبارة عن فعل المأمورات وإن كان ترك المناهي أيضا من جملة الوسائل إلّا أن هذا التقرير مناسب، والفعل والترك أيضا يعتبران في الأخلاق الفاضلة والذميمة وفي الأفكار الصائبة والخاطئة، وأهل التحقيق يسمون الترك والفعل بالتخلية والتحلية أو بالمحو والحضور أو بالنفي والإثبات أو بالفناء والبقاء، والأول مقدّم على الثاني، فما لم يفن عما سوى الله لم يرزق البقاء بالله. والوسيلة «فعيلة» وهي كل ما يتوسل به إلى المقصود ولهذا قد تسمى السرقة توسلا والواسل الراغب إلى الله قال لبيد:
ألا كل ذي لب إلى الله واسل والتوسيل والتوسل واحد يقال: وسل إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة إذا تقرب إليه

الصفحة 585