كتاب تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (اسم الجزء: 2)

الخاتم فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي إلى قوله: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 25، 32] فأنزلت قرآنا ناطقا سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً [القصص: 35] اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به أزري. قال أبو ذر: فو الله ما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال: يا محمد اقرأ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ الآية.
فاستدلت الشيعة بها على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام لأن الولي هو الوالي المتصرف في أمور الأمة، وأنه علي عليه السلام برواية أبي ذر وغيره.
وأجيب بالمنع من أن الولي هاهنا هو المتصرف بل المراد به الناصر والمحب لأن الولاية المنهي عنها فيما قبل هذه الآية، وفيما بعدها هي بهذا المعنى فكذا الولاية المأمور بها.
وأيضا إن عليا لم يكن نافذ التصرف حال نزول الآية وإنها تقتضي ظاهرا أن تكون الولاية حاصلة في الحال. وأيضا إطلاق لفظ الجمع على الواحد لأجل التعظيم مجاز والأصل في الإطلاق الحقيقة، فالمراد بالذين آمنوا عامة المؤمنين وأن بعضهم يجب أن يكون ناصرا لبعض كقوله: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [التوبة: 71] وأيضا الآية المتقدمة نزلت في أبي بكر كما مر من أنه هو الذي حارب المرتدين فالمناسب أن تكون هذه أيضا فيه. ثم إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان أعرف بتفسير القرآن من هؤلاء الإمامية فلو كانت الآية دالة على إمامة عليّ لاحتج بها كما احتج بما ينقلون عنه أنه تمسك يوم الشورى بخبر الغدير وخبر المباهلة وجميع مناقبه وفضائله. وهب أنها دالة على إمامته لكنه ما كان نافذ التصرف في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق إلا أنه سيصير إماما ونحن نقول بموجبه ولكنه بعد الشيوخ الثلاثة. ومن أين قلتم إنها تدل على إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير فصل؟ وأيضا إنهم كانوا قاطعين بأن المتصرف فيهم هو الله ورسوله فلا حاجة بهم إلى ذكر ذلك. فالمراد بقوله: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أن من كان الله ورسوله ناصرين له فأي حاجة به إلى طلب النصرة والمحبة عن غيره، وإذا كان الولي مستعملا بمعنى النصرة مرة امتنع أن يراد به معنى المتصرف لأنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في كلا مفهومية معا فكأنه تعالى قسم المؤمنين قسمين وجعل أحدهما أنصارا للآخر. وأيضا الزكاة اسم للواجب لا للمندوب، ومن المشهور أن عليا عليه السلام ما كان يجب عليه الزكاة، ولو سلم فاللائق بحاله أن يكون في الصلاة مستغرق القلب بالله فلا يتفرغ لاستماع كلام السائل ولا إلى دفع الخاتم إليه لأنه عمل كثير، اللهم إلا أن يكون الخاتم سهل المأخذ أو كان قد أومأ به إلى السائل فأخذه السائل. والحق أنه إن صحت الرواية فللآية دلالة قوية على عظم شأن علي

الصفحة 606