كتاب الكامل في التاريخ - العلمية (اسم الجزء: 2)

@ 84 @
لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي وقد كان تخلف عن العسكر لحاجته فلم يبت مع الناس فلما رأى سوادي أقبل حتى وقف علي فعرفني وكان رآني قبل أن يضرب الحجاب فلما رآني استرجع وقال ما خلفك قالت فما كلمته ثم قرب البعير وقال اركبي فركبت وأخذ برأس البعير مسرعا فلما نزل الناس واطمأنوا اطلع الرجل يقود بي فقال أهل الإفك ما قالوا فارتعج العسكر ولم أعلم بشيء من ذلك
ثم قدمنا المدينة فاشتكيت شكوى شديدة وقد انتهى الحديث إلى رسول الله وإلى أبوي ولا يذكران لي منه شيئا إلا أني أنكرت من رسول الله بعض لطفه فكان إذا دخل علي وأمي تمرضني قال كيف تيكم لا يزيد على ذلك فوجدت في نفسي مما رأيت من جفائه لي فاستأذنته في الانتقال إلى أمي لتمرضني فأذن لي وانتقلت ولا أعلم بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة قالت وكنا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف نعافها ونكرهها إنما كانت النساء يخرجن كل ليلة فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ابنة أبي رهم بن المطلب وكانت أمها خالة أبي بكر الصديق قالت فوالله إنها لتمشي إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح قالت قلت لعمر الله بئسما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدرا قالت أوما بلغك الخبر قلت وما الخبر فأخبرتني بالذي كان قالت فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي فرجعت فما زلت ابكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي وقلت لمي تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئا قالت أي بنية خفضي عليك فوالله قلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها قالت وقد قام رسول الله في الناس فخطبهم ولا اعلم بذلك ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهن غير الحق ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت عليه إلا خيرا وما دخل بيتا من بيوتي إلا معي
وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش وذلك أن زينب أختها كانت عند رسول الله فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لأختها فلما قال رسول الله تلك المقالة قال أسيد بن حضير يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفكهم وإن يكونوا من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك فقال سعد بن عبادة والله ما قلت هذه المقالة إلا وقد عرفت أنهم من الخزرج ولو كانوا من قومك ما قلت هذا فقال أسيد كذبت ولكنك منافق تجادل عن المنافقين وتثاور الناس حتى كاد يكون بينهم شر ونزل رسول الله ودعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما فأما أسامة فأثنى خيرا وأما علي فقال إن النساء لكثير وسل الخادم تصدقك فدعا رسول الله بريرة يسألها فقام إليها علي فضربها ضربا شديدا وهو يقول اصدقي رسول الله فقالت والله ما اعلم إلا خيرا وما كنت أعيب عليها شيئا إلا أنها كانت تنام عن عجينها فتأتي الداجن فتأكله
ثم قالت دخل علي رسول الله وعندي أبواي وامرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فإن كنت قارفت سوءا فتوبي إلى الله قالت فوالله لقد تقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئا وانتظرت أبواي أن يجيباه فلم يفعلا فقلت ألا تجيبانه فقالا والله ما ندري بما نجيبه وما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على أبي بكر تلك الأيام
فلما أن استعجما علي بكيت ثم قلت والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا والله لئن أقررت والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني ولئن أنكرت لا تصدقونني ثم التمست اسم يعقوب فلم أجده فقلت ولكني أقول كما قال أبو يوسف { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } ولشأني كان أصغر في نفسي أن ينزل الله في قرآنا يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رؤيا يكذب الله بها عني قالت فوالله ما برح رسول الله من مجلسه حتى جاء الوحي فسجي بثوبه فأما أنا والله ما فزعت ولا باليت قد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي وأما أبواي فما سري عن رسول الله حتى ظننت لتخرجن أنفسهما

الصفحة 84