كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

6 - (ومنها): أن فيه جابرًا -رضي الله عنه- من المكثرين السبعة، روى (1540) حديثًا، والله تعالى أعلم.
شرح الحديث:
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) رضي الله عنهما، وفي رواية مسلم تصريح أبي جعفر بالسماع، فقد أخرجه من طريق سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كانت خطبة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة، يحمد الله، ويُثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك، وقد علا صوته، ثم ساق الحديث.
أنه (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَطَبَ) أي يوم الجمعة، كما بيّنته رواية مسلم المذكورة (احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ) بالرفع على الفاعليّة، أي ارتفع صوته (وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ) أي من آثار الغضب الناشيء مما تفعله الأمة من قلّة الأدب في معصية الربّ. قاله في "المرقاة" (¬1).
وقال في "المرعاة": إنما يفعل -صلى الله عليه وسلم- ذلك لإزالة الغفلة من قلوب الناس؛ ليتمكّن فيها كلامه فضلَ تمكّن، أو لأنه يتوجّه فكره إلى الموعظة، فيظهر عليه آثار الهيبة الإلهيّة (¬2).
وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: كونه -صلى الله عليه وسلم- تحمرّ عيناه، ويعلو صوته، ويشتدّ غضبه في حال خطبته كان هذا منه في أحوال، وهذا مُشعرٌ بأن الواعظ حقّه أن يكون منه في وعظه بحسب الفصل الذي يتكلّم فيه ما يطابقه، حتّى لا يأتي بالشيء وضدُّه ظاهرٌ عليه، وأما اشتداد غضبه، فيَحتَمِل أن يكون عند نهيه عن أمر خُولف فيه، أو يريد أنّ صفتَه صفة الغضبان. انتهى (¬3).
¬__________
(¬1) "المرقاة" 3/ 501.
(¬2) "المرعاة" 4/ 496 - 467.
(¬3) "المفهم" 2/ 506.

الصفحة 10