كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)
وقال النوويّ رحمه الله تعالى: لعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا، وتهديده خَطْبًا جسيمًا. انتهى (¬1).
(كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ) هو الذي يجيء مخُبرًا للقوم بما قد دَهَمَهم من جيش عدُوّهم الذي يخافون بأسه، أي كمن يُنذر قومًا بقرب جيش عظيم قصد الإغارة عليهم، فإضافة "منذر" إلى "جيش" من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله الثاني، والأصل: منذر قوم جيشًا، وهو اسم فاعل من "أنذر"، يقال: أنذرتُ الرجلَ كذا إنذارًا: إذا أبلغته، يتعدّى إلى مفعولين، فهو مُنذرٌ، ونَذيرٌ، والجمع نُذُرٌ بضمّتين، وأكثر ما يُستعمل في التخويف، كقوله عز وجل: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ} الآية، أفاده في "المصباح" (¬2).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وما هنا من الثاني. والله تعالى أعلم.
(يَقُولُ) أي ذلك المنذر، فالضمير عائد على "منذر"، والجملة صفة له، أو حال منه.
وقال الطيبيّ: يجوز أن يكون قوله: "يقول" صفة لـ "منذر جيش"، وأن يكون حالًا من اسم "كان"، والعامل معنى التشبيه، فالقائل إذًا الرسول -صلى الله عليه وسلم-، و"يقول" الثاني عطف على الأول، وعلى الوجه الأول عطف على جملة "كأنه" انتهى.
وتعقّبه القاري، فأحسن في ذلك، قال: الصحيح، بل الصواب الوجه الأول؛ إذ لا معنى لقوله في المنبر: "صبّحكم، ومسّاكم"، ويدلّ عليه إعادة الصحابيّ لفظ "يقول" إشارةً إلى أن قول المنذر تَمّ قبله، ثم الصحيح أنه عطف على "احمرّت"؛ لأن الرواية في "يقول" الرفع، فارتفع احتمال أن يكون معطوفًا على مدخول "حتّى". انتهى (¬3).
(صَبَّحَكُمْ) بتشديد الموحّدة، وفاعله ضمير يعود إلى "جيش"، وهو العدوّ المنذر به، والضمير المنصوب يعود على المنذَرِين: أي سيصبّحكم العدوّ يعني سيأتيكم وقت
¬__________
(¬1) "شرح مسلم" 6/ 156.
(¬2) "المصباح المنير" 2/ 599.
(¬3) "المرقاة" 3/ 501.
الصفحة 11
595