كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)
وقال سهل بن عبد الله التستريّ: عليكم بالاقتداء بالأثر والسنة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليلٍ زمانٌ إذا ذَكَر إنسانٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به في جميع أحواله ذَمُّوه، ونَفَرُوا عنه، وتبرءوا منه، وأَذَلّوه، وأهانوه، قال سهل: إنما ظهرت البدعة على أيدي أهل السنة؛ لأنهم ظاهروهم، وقاولوهم، فظهرت أقاويلهم، وفَشَت في العامة، فسمعه من لم يكن يسمعه (¬1)، فلو تركوهم، ولم يكلموهم لمَات كل واحد منهم على ما في صدره، ولم يَظهَر منه شيء، وحمله معه إلى قبره. وقال سهل: لا يُحدِث أحدكم بدعةً حتى يُحدث له إبليس عبادةً، فيتعبد بها، ثم يُحدث له بدعة، فإذا نطق بالبدعة، ودعا الناس إليها نُزِع منه تلك الخدمة. قال سهل: لا أعلم حديثًا جاء في المبتدعة أشدّ من هذا الحديث: "حجب الله الجنة عن صاحب البدعة" (¬2)، قال: فاليهودي والنصراني أرجى منهم. قال سهل: من أراد أن يُكرِم دينه، فلا يدخل على السلطان، ولا يَخلُوَنَّ بالنسوان، ولا يخاصمنّ أهل الأهواء. وقال أيضا: اتّبِعوا ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم. وفي "مسند الدارمي" أن أبا موسى الأشعري جاء إلى عبد الله بن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرته، ولم أر -والحمد لله- إلا خيرًا، قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، وفي كل حَلْقة رجل، وفي أيديهم حصًى، فيقول لهم: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظارَ رأيك، وانتظارَ أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يَعُدُّوا سيئاتهم، وضَمِنتَ لهم ألا يضيع من حسناتهم، ثم مَضَى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحِلَق، فوقف عليهم، فقال: ماهذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصًى نَعُدّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فَعُدُّوا سيئاتكم، وأنا ضامن لكم ألا
¬__________
(¬1) هكذا النسخة، ولعلّ الأولى: فسمعها من لم يكن يسمعها، والله تعالى أعلم.
(¬2) حديث صحيح أخرجه الطبراني في "الأوسط" بلفظ: "إن الله حجب التوبة عن كلّ صاحب بدعة حتى يَدَع بدعته".