كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

7 - (بَابُ اجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَالْجَدَلِ)
" الاجتناب": مصدر "اجتنب، مزيد جَنَبَ، يقال: جَنَبْتُ الرجلَ الشرَّ جُنُوبًا، من باب قَعَد: إذا أبعدته، وجَنَّبْتُهُ بالتثقيل مبالغة (¬1)، فالاجتناب معناه: الابتعاد.
و"الْبِدَعُ" -بكسر الموحّدة، وفتح الدال المهملة-: جمع بدعة -بكسر، فسكون- قال في "القاموس": "البِدْعة" -بالكسر-: الْحَدَث في الدين بعد الإكمال، أو ما استُحدث بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من الأهواء والأعمال، جمعه بِدَعٌ، كعِنَبٍ. انتهى. وقال في "المصباح": أبدعت الشيءَ، وابتدعتُهُ: استخرجته، وأحدثته، ومنه قيل للحالة المخالفة بِدْعَة، وهي اسمٌ من الابتداع، كالرفْعة من الارتفاع، ثم غلب استعماله فيما هو نقصٌ في الدين أو زيادة، لكن قد يكون بعضها غير مكروه، فيُسمّى بِدْعةً مباحة، وهو مصلحة يندفع بها مفسدة كاحتجاب الخليفة عن أَخْلاط الناس. انتهى (¬2). وسيأتي تمام البحث في البدعة في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى-.
وأما "الجدَلُ" -بفتح الجيم، والدال المهملة-: فهو مصدرٌ، بمعنى شدّة الخصومة، يقال: جَدِلَ الرجلُ جَدَلًا، فهو جَدِلٌ، من باب تَعِبَ: إذا اشتدّت خُصومته، وجادل مجادلةً، وجِدَالًا: إذا خاصم بما يَشْغَلُ عن ظهور الحقّ، ووضُوح الصواب، هذا أصله، ثم استُعمل على لسان حَمَلَة الشرع في مقابلة الأدلّة لظهور أرجحها، وهو محمود إن كان للوقوف على الحقّ، وإلا فمذموم. ويقال: أوّلُ من دَوَّن الجدَل أبو عليّ الطبريّ. قاله الفيّوميّ.
وقال النوويّ رحمه الله في "تهذيب الأسماء واللغات": "الجدَلُ"، و"الِجدال"، و"المجادلة": مقابلة الحجة بالحجة، وتكون بحقّ وباطل، فإن كان للوقوف على الحقّ كان محمودًا، قال الله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} الآية [النحل: 125]،
¬__________
(¬1) راجع "المصباح" 1/ 111.
(¬2) "المصباح" 1/ 38.

الصفحة 5