كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

ما هو أكبر منه من الطيور، وإما لكونه خاليًا من الذنوب من عدم كونه مكلّفًا. انتهى.
قال القاريّ: والأظهر الثاني، فهو تشبيه بليغ، وما قيل: من أن هذا ليس من باب التشبيه؛ لأنه لا عصفور في الجنة، فممنوع؛ لما ورد في الحديث: "إن في الجنّة طيرًا كأمثال البخت تأتي الرجل، فيُصيب منها، ثم تذهب كأن لم ينقص منها شيء"، وقد قال الله عز وجل: {وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور: 22]، وقال: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21].
وأما ما ذكره ابن حجر -يعني الهيتمي- من حديث: "أرواح الشهداء في أجواف طيور خُضْر ... " (¬1) "، وخبر: "إنما نسمة المؤمن -أي روحه- طائر في شجر الجنة ... " (¬2)، فليس يصلح سندًا للمنع، كما لا يخفى (¬3). انتهى (¬4).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي قال: إنه ليس من باب التشبيه، هو الطيبيّ، ونصّ عبارته في "الكاشف":
[فإن قلت]: هذا فيه إشكال؛ لأنه ليس من باب التشبيه، كما تقول: هذا
¬__________
(¬1) حديث أخرجه مسلم في "صحيحه"، ولفظه: عن مسروق قال: سألنا عبد الله عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئًا، قالوا: أيَّ شيء نشتهى، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات: فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يُسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا". وسيأتي للمصنّف في "كتاب الجهاد برقم (8201).
(¬2) حديث صحيح أخرجه النسائي في "المجتبى" 4/ 108 رقم الحديث 2073. ولفظه: "إنما نَسَمَة المؤمن طائر، في شجر الجنة، حتى يبعثه الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة".
(¬3) قال الجامع: الظاهر أنه صالح للمنع، فتأمّل.
(¬4) راجع "المرقاة" 1/ 269 - 270.

الصفحة 513