كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)
(يُخَاصِمُونَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل (في الْقَدَرِ) أي في إثبات القدر. وقال النوويّ رحمه الله: المراد بالقدر هنا القدر المعروف، وهو ما قدر الله وقضاه، وسبق به علمه وإرادته، وأشار الباجيّ إلى خلاف هذا، وليس كما قال. انتهى (¬1).
(فَنَزَلَتْ هَذ الْآيَةُ) وهي قوله (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) بدل من اسم الإشارة، و"يوم" ظرف متعلّق بفعل مقدّر: أي يقال لهم "يوم يسحبون": أي يجرّون (في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ) الجارّان متعلقان بـ "يسحبون"، وقوله (ذُوقُوا) مقول القول المقدّر: أي ذوُقوا على إنكاركم القدر (مَسَّ سَقَرَ) أي إصابة جهنّم لكم، قال النسفيّ رحمه الله: هو كقولك: وجد مسّ الحُمّى، وذاق طعم الضرب؛ لأن النار إذا أصابتهم بحرّها فكأنها تمسّهم مسّا. و"سقر" غير منصرف؛ للتأنيث والتعريف؛ لأنها علم لجهنّم، من سَقَرتهُ النارُ: إذا لوّحته. انتهى (¬2).
وقال القرطبي رحمه الله: و"سقر" اسم من أسماء جهنم لا ينصرف؛ لأنه اسم مؤنّث معرفةٌ، وكذا لظى، وجهنم. وقال عطاء: "سقر" الطبق السادس من جهنّم. وقال قُطرُب: "سقر" من سَقَرته الشمس، وصقرته: لَوّحته، ويوم مُسَمْقِرٌ، ومُصَمْقِرٌ: شديد الحرّ. انتهى (¬3).
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القدر بفتحتين، أو بفتح فسكون-: التقدير: أي بتقدير سابق، أو خلقنا كلّ شيء مقدّرًا محكمًا مرتّبًا على حسب ما اقتضته الحكمة، أو مقدّرًا مكتوبًا في اللوح، معلومًا قبل كونه، قد علمنا حاله، وزمانه. قاله النسفيّ (¬4).
وقال القرطبيّ رحمه الله: قرأ العامّة: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} قرأ العامّة "كلّ" بالنصب،
¬__________
(¬1) 16/ 205.
(¬2) "تفسير النسفي" 4/ 206.
(¬3) "تفسير القرطبيّ" 17/ 147.
(¬4) "تفسير النسفيّ" 4/ 206.