كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

رَوَايا الكذب، ولا يصلح من الكذب جِدّ ولا هزل، ولا يَعِدُ الرجل ابنه ثم لا ينجز له، إن الصدق يَهدِي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإنه يقال للصادق: صَدَقَ وبَرَّ، ويقال للكاذب: كَذَب وفَجَرَ، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتَب عند الله صديقًا، ويكذب حتى يكتب عند الله كذابًا"، وإنه قال لنا: "هل أنبئكم ما الْعَضْهُ؟، وإن الْعَضْهَ هي النميمة التي تفسد بين الناس" (¬1).
وهذا إسناد صحيحٌ. وأخرجه أحمد مطوّلًا، فقال:
3652 - حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن عابس، قال: حدثنا رجل من همدان، من أصحاب عبد الله، وما سماه لنا، قال: لما أراد عبد الله أن يأتي المدينة جمع أصحابه، فقال: والله إني لأرجو أن يكون قد أصبح اليوم فيكم من أفضل ما أصبح في أجناد المسلمين، من الدين والفقه والعلم بالقرآن، إن هذا القرآن أُنزل على حروف، والله إن كان الرجلان ليختصمان أشدّ ما اختصما في شيء قطّ، فإذا قال القارىء هذا: أقرأني، قال: أحسنت، وإذا قال الآخر، قال: كلاكما محسن، فأقرَأنا: "إن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، والكذب بهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار"، واعتبروا ذاك بقول أحدكم لصاحبه: كَذَبَ وفَجَر، وبقوله إذا صَدَقَه: صدقت وبررت، إن هذا القرآن لا يَختَلف ولا يُستَثنُّ (¬2) ولا يَتْفَه (¬3) لكثرة الرد، فمن قرأه على
¬__________
(¬1) قال القرطبيّ: هو مصدر عضهه يعضَهه عَضْهًا: إذا رماه بكذب وبهتان، وقد رواه أكثر الشيوخ ما الْعِضَة؟ بكسر العين، وفتح الضاد، والتاء المنقلبة في الوقف هاء، وهي أصوب؛ لأن العضة اسم، والنميمة اسم، فصحّ تفسير الاسم بالاسم، والْعَضْهُ مصدرٌ، ولا يحسن تفسير المصدر بالاسم، فالرواية الثانية أولى. والذي يبيّن لك ان الْعِضَة اسم ما قاله الكسائيّ: قال: الْعِضَة الكذب والبهان، وجمعها عِضُون، مثلُ عِزة وعِزين، وقد بيّنّا أن الْعَضْهَ المصدر، فصحّ ما قلناه. انتهى "المفهم" 6/ 590.
(¬2) أي لا يخلُق على كثرة الردّ.
(¬3) من باب فَرِحَ: أي لا يَخْلُقُ، فهو بمعنى ما قبله.

الصفحة 65