كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)

نَضَبَ ماؤه. حكاه ابن فارس، فهو من الأضداد، ورَسَخَ، ورَضَخَ، ورَصُنَ، ورَسَبَ كُلُّه ثَبَتَ فيه.
وسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الراسخين في العلم، فقال: "هو مَن بَرَّت يمينه، وصَدَق لسانُه، واستقام قلبه".
[فإن قيل]: كيف كان في القرآن متشابه؟، والله يقول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]؟، فكيف لم يجعله كله واضحا؟.
[قيل له]: الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن يَظهَر فضلُ العلماء؛ لأنه لو كان كله واضحًا لم يظهر فضل بعضهم على البعض، وهكذا يفعل من يُصَنِّف تصنيفًا، يجعل بعضه واضحًا، وبعضه مشكلًا، ويترك لِلْجُثْوَة (¬1) موضعًا؛ لأنّ ما هان وجودُه، قَلَّ بهاؤه. انتهى كلام القرطبيّ (¬2).
وقال في "المرعاة": وحكمة وقوع المتشابه فيه إعلام للعقول بقصورها؛ لتستسلم لبارئها، وتعترف بعجزها، وتَسلَم من العجب والغرور والتكبر والتعزّز. انتهى.
وقوله: ({يَقُولُونَ} خبر المبتدأ {آمَنَّا بِهِ} أي بالمتشابه، ووكلنا علمه إلى عالمه (كلّ) من المتشابه والمحكم {مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} أي نزل من عنده، وهو حقّ وصواب.
وقال القرطبيّ: فيه ضمير عائد على كتاب الله محكمه ومتشابهه، والتقدير كله من عند ربنا، وحذف الضمير لدلالة "كلّ" عليه، إذ هي لفظة تقتضي الإضافة. قاله القرطبيّ (¬3).
¬__________
(¬1) مثلثة الجيم، بعدها ثاء مثلّثة: أصلها الحجارة المجموعة، لكن المراد هنا: الجماعة.
(¬2) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 19.
(¬3) "الجامع لأحكام القرآن" 4/ 19.

الصفحة 85