كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه (اسم الجزء: 2)
لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: {فَإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] وقال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42] {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، فقد كتموا في هذه الآية، وقال: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات: 27] إلى قوله: {دَحَاهَا} [النازعات: 30]، فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت: 9]، إلى {طَائِعِينَ} [فصلت: 11] فذكر في هذا خلق الأرض قبل خلق السماء، قال: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا - عَزِيزًا حَكِيمًا - سَمِيعًا بَصِيرًا}، فكأنه كان ثم مضى. فقال -يعني ابن عباس-: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101] في النفخة الأولى، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك، ولا يتساءلون، ثم في النفخة الآخرة: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)} [الصافات: 27]، وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23]، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالَوا نقول: لم نكن مشركين، فخُتِم على أفواههم، فتنطق جوارحهم بأعمالهم، فعند ذلك عُرِفَ أن الله لا يُكتَم حديثًا، وعنده {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية. وخلق الله الأرض في يومين، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين، ثم دحا الأرض -أي بسطها- ودَحْوُها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق فيها الجبال والأشجار والآكام وما بينها في يومين آخرين، فذلك قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] فجُعِلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخُلِقت السماء في يومين. {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} سَمَّى نفسه ذلك، أي لم يزل ولا يزال كذلك، فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلا من عند الله.
انتهى (¬1)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
¬__________
(¬1) راجع "صحيح البخاريّ" في "تفسير حم السجدة".