كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 2)

البراز فاقبل العرب يهرعون إليه من كل جانب ومكان يريدون قتاله لأجل ما عليه فقال عمرو ثواب الله خير لكم مما عليه فلا يخرج أحد لطلب سلبه فيكون خروجه لأجل ذلك وإن قتل مات في سبيل ما خرج إليه وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه" قال فخرج غلام من اليمن ومعه أمه وأخته يريدون الشام وأخته تقول له يا ابن أمي جد بنا في السير لنصل إلى الشام فنأكل من خيره ونعمه.
فقال لها أخوها إنما أذهب لأقاتل لمرضاة الله عز وجل وقد سمعت معاذ بن جبل يقول أن الشهداء عند ربهم يرزقون فقالت له أخته: كيف يرزقون وهم أموات قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أن الله تعالى يجعل ارواحهم في حواصل طيور الجنة فتأكل تلك الطيور من ثمار الجنة وتشرب من أنهارها فتغدوا أرواحهم في حواصل تلك الطيور فهو الرزق الذي جعله الله لهم" فلما كان قتال قيسارية خرج ذلك الغلام إلى القتال بعد أن ودع أمه وأخته وداع الموت وقال لهم: نجتمع على حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج وبيده قناة وهي موصولة كثيرة العقد وتحته جواد هجين.
فلما خرج الغلام حمل على البطريق من ساعته وطعنه بسنانه قال فاشتبك السنان في درع البطريق فلم يقدر على انتزاعه فضرب البطريق قنا الغلام بسيفه فقطعها وحمل على الغلام وضربه على هامته فشطرها فوقع الغلام ميتا رحمه الله وجال قيدمون على مصرعه ثم طلب البراز فخرج إليه ابن قثم فقتله البطريق فلما نظر إلى ذلك شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه اقبل يعاتب نفسه ويقول تتفرجين على قتل المسلمين ثم خرج والراية بيده التي عقدها له ابو بكر رضي الله عنه يوم خروجه إلى الشام فلما رآه عمرو قد عول على الخروج قال: يا عبد الله اركز الراية لئلا تشغلك فركزها شرحبيل فوقفت كالنخلة وغاصت في حجر كأنها منه فتفاءل بالنصر وخرج إلى لقاء قيدمون والمسلمون يدعون له بالنصر على عدوه فلما رآه البطريق ضحك من زيه وكان للملعون صوت عال وهو ضخم من الرجال وكان شرحبيل نحيف الجسم من كثرة الصيام والقيام بالليل والبطريق في ميدانه فحمل كل واحد منهما على صاحبه واختلفا بضربتين وكان السابق شرحبيل فلم يعمل السيف في لامة البطريق شيئا وثبت السيف في بيضته وحمل قيدمون على شرحبيل فشجه ثم تجاولا على الجوادين قال سعيد بن روح وكان ذلك اليوم كثير البرد والسحاب فبينما هما في المعركة إذ نزل المطر كافواه القرب قال فنزلا عن الجوادين وجالا يتصارعان في وسط الطين وذلك أن قيدمون حمل على شرحبيل فضرب يده في مراق بطنه فاقتلعه من الأرض ورمى به على ظهره ثم استوى

الصفحة 22