كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 2)

على صدره وهم أن ينحره فنادى شرحبيل يا غيات المستغيثين فما استتم كلامه حتى خرج إليه فارس من الروم وعليه لامة مذهبة ومن تحته جواد من عتاق الخيل فقصد موضع البطريق وشرحبيل فظن قيدمون أنه إنما خرج ليعطيه جواده ويعينه فلما قرب منهما ترجل وأمال البطريق برجليه عن صدر شرحبيل وقال: يا عبد الله قد أتاك الغوث من غيات المستغيثين فوثب شرحبيل قائما ينظر إليه متعجبا من قوله وفعله وكان الفارس متلثما ثم جرد سيفه وضرب البطريق ضربة قطع رأسه وقال: يا عبد الله خذ سلبه فقال شرحبيل والله ما رأيت أعجب من أمرك وإني رايتك جئت من عسكر الروم فقال أنا الشقي المبعد أنا طلحة ابن خويلد الذي ادعى النبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذب على الله وزعم أن الوحي كان ينزل عليه من السماء فقلت له يا أخي: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] وقد وسعت رحمته كل شيء ومن تاب وأقلع وأناب قبل الله توبته وغفر له ما كان منه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول التوبة تمحو ما قبلها أما علمت يا ابن خويلد أن الله سبحانه وتعالى لما انزل على نبيه: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] طمع فيها كل شيء حتى ابليس فلما نزل قوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [الأعراف: 156] قالت اليهود نحن نؤتى الزكاة ونتصدق فلما نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156] قالت اليهود نحن مؤمنون بما أنزل الله في الصحف والتوراة فأراد الله أن يعلمهم أنها خاصة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} [الأعراف: 157] فقال طلحة بن خويلد مالي وجه أرجع إلى الإسلام وهم أن يسير على وجهه فمنعه شرحبيل وقال له: يا طلحة لست أدعك تمضى بل ترجع معي إلى العسكر قال: ما يمنعني من المسير معك إلا الفظ الغليظ خالد بن الوليد وإني أخاف أن يقتلني فقلت يا أخي انه ليس معنا وهذا الجيش لعمرو بن العاص قال فرجع معي فلما قربنا من المسلمين تبادروا الينا وقالوا: يا شرحبيل من هذا الرجل معك فلقد صنع معك جميلا قال: ولم يعرفوه لانه كان متلثما بفضل عمامته فقلت هذا طلحة بن خويلد الذي ادعى النبوة فقالوا: او تاب ورجع إلى الله فقال أنا تائب إلى الله سبحانه وتعالى قال شرحبيل فاتيت به إلى عمرو بن العاص فسلم عليه وبش في وجهه ورحب به.
قال: حدثنا حسان بن عمر لربعي عن جده أن طلحة بن خويلد لما ادعى النبوة وجرى له ما جرى من الحرب مع خالد بن الوليد رضي الله عنه وسمع أن خالدا قتل مسيلمة الكذاب وقتل الاسود العنسي ايضا لانه قال انه نبي فخاف طلحة على نفسه من خالد فهرب بالليل ومعه زوجته للشام واستجار برجل من آل كلب فأجاره الكلبي وأنزله في داره وكان الكلبي مؤمنا وبقي عنده مدة أيام إلى أن استخبره عن حاله فحدثه طلحة بجميع أحواله مع خالد بن الوليد ووقائعه معه وكيف ادعى النبوة فغضب الكلبي لكلامه

الصفحة 23