كتاب فتوح الشام (اسم الجزء: 2)
أمير القوم ميسرة وقال أبو عبيدة يا أبا الهول كن انت بجماعتك في أوائل العسكر ولا تخالف ميسرة فيما اشار به فإنه مبارك الطلعة فقال سمعا وطاعة قال: وجهز القوم ثم أن خالدا قال: أيها الأمير أرسل معهم أدلاء يعرفونهم الطريق ويكونون لهم عيونا على أعدائهم فطلب لهم من أهل حلب من المعاهدين من يكون ناصحا لهم فاختاروا لهم اربعة واعطاهم أبو عبيدة واحسن إليهم وطرح عنهم الجزية وقال لهم: في أي درب يكون دخول المسلمين في طلب العدو فاجتمع رأيهم على أن يدخلوا في الدرب الاعظم من بلد قورص.
ثم إنهم قالوا: أيها الأمير أن هذه الدروب ليست كمثل البلاد التي فتحتموها بل هي بلاد شديدة البرد كثيرة الشجر والمدر والحجر وفيها مضايق وشعاب وأودية وكهوف وعقبات فقال أهل اليمن سيروا أنتم أمامنا فإنكم ترون منا عجبا فسار أبو الهول والمعاهدون أمامه وسار ميسرة في أعقابهم بعدما ودعوا الناس ومضوا وهم بالتهليل والتكبير وقراءة القرآن والمسلمون يدعون لهم بالنصر والسلامة قال عطاء بن جعيدة وسرنا والدليل أمامنا حتى أتينا عقبة حنداس فقطعناها وعبرنا نحو الساجور وأتينا قورص فنزلنا فيها وبتنا فلما أصبحنا ودخلنا الدروب وجدنا بها ارضا وعرة وأشجارا ومياها جارية ومضايق ليس للفرس فيها مجال فهالنا وحشة ذلك المكان إذ ليس للعرب فيه مجال ولا فسحة فقلت في خاطري أن طالت علينا هذه الاودية خشيت على المسلمين أن يظفر بهم عدوهم والادلاء أمام المسلمين وقد تعلقوا في جبال شامخة صعبة الصعود فلم يبق أحد إلا وترجل عن فرسه قال: ومشينا حتى تقطعت نعالنا وسال الدم من أرجلنا فلم نزل على ذلك ثلاثة أيام والادلاء يقولون لنا كونوا على يقظة فإن أخذ عليكم المجاز هلكتم فلما كان في اليوم الرابع خرجنا إلى أرض واسعة وكان دخولنا إلى بلاد الروم في أول الصيف ونحن مخففون من الثياب ولما دخلنا إلى تلك الأرض وجدنا بردا كثيرا ونظرنا إلى الثلج وهو على الجبال عن يميننا وشمالنا قال: وكان دامس أبو الهول يأخذ معه ثيابا تدفئه فحصل له من البرد فقال: يا أبا الهول ما لي اراك ترتعد فقال أخذني البرد وليس معي ما يدفئني فدفع إليه فروة فلبسها فدفىء فقال كساك الله من ثياب الجنة.
قال الواقدي: وساروا إلى أن وصلوا إلى أرض طيبة كثيرة المياه قليلة الشجر فنزلوا فيها ثم إنهم ساروا فلم يروا احدا لأن الروم كانوا قد نزحوا عن البلاد لحذرهم من المسلمين فلما كان في اليوم الخامس ونحن سائرون إذ لاحت لنا قرية فقصدها المسلمون وإذا هي خالية بل سمعوا أصوات الديوك والغنم فدخلوها فلم يجدوا عندها مانعا ولا دافعا فعرفنا انهم تواروا عنا فصاح ميسرة وقال خذوا حذركم فإن
الصفحة 4
298