كتاب التبصرة - ت عبد الواحد (اسم الجزء: 2)

| دفن كتبهم ومحو علمهم وهذا من الخطأ العجيب ، بل ينبغي للعالم أن يعتزل عن | شر من يؤذي ويبرز لمن يستفيد ، فظهوره أفضل من إخفائه . | | فأما إن كان عابدا فالعابد لا ينافس في هذا ، فإن من القوم من شغلته العبادة ، | كما روي أن الحسن رأى رجلا متعبدا فأتاه فقال : يا عبد الله ما يمنعك من مجالسة | الناس ؟ قال : ما أشغلني عن الناس . قال : فما منعك أن تأتي الحسن ؟ فقال : | ما أشغلني عن الحسن . قال : فما الذي شغلك عن الحسن ؟ قال : إني أمسي وأصبح | بين ذنب ونعمة ، فرأيت أن أشغل نفسي بالاستغفار للذنب والشكر لله تعالى على | النعمة . فقال له : أنت عندي أفقه من الحسن ! | | وقال رجل لعامر بن قيس : قف فكلمني . فقال : أمسك الشمس ! | | ومن القوم من استغرقته محبة الله تعالى والأنس به فاستوحش من الخلق . قيل | لغزوان الزاهد : لو جالست إخوانك ؟ فقال : إني أصيب راحة قلبي في مجالسة من عنده حاجتي . | | ( تعبي راحتي وأنسى انفرادي % وشفائي الضنا ونومى سهادي ) % | | ( لست أشكو بعاد من صد عني % أي بعد وقد ثوى في فؤادي ) % | | ( هو يختال بين قلبي وعيني % هو ذاك الذي يرى في السواد ) % | | فهؤلاء عزلتهم أصلح لهم ، بل لا ينبغي أن تشغلهم العزلة عن الجماعات ومجالسة | العلماء ، فإن فعلوا كان ذلك من الشيطان . وإنما نأمر العوام باعتزال الشر ، فحسب | فإنه الجهاد في حقهم . | | واعلم أن السمع يوصل إلى القلب خبر المسموعات والبصر خبر المنظورات ، ورب | نظرة نقشت في القلب صورة فبعد محوها ، فإن الإنسان ليمشي في الأسواق فيتغير | قلبه ، والعزلة توجب السلامة من ذلك . وقد كان في الصالحين من إذا خرج للسوق | فكسب ما يكفيه قام إلى المسجد . | | فالبدار البدار إلى حفظ القلوب بالعزلة عن كل ما يؤذي . |
____________________

الصفحة 315