كتاب اللباب في شرح الكتاب (اسم الجزء: 2)

ذلك وجعل النفقة ديناً على مالكها.
فإذا حضر مالكها فللملتقط أن يمنعه منها حتى يأخذ النفقة.
ولقطة الحل والحرم سواءً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك وجعل النفقة دينا على مالكها) ، لأنه نصب ناظراً من الجانبين، وفي قوله "جعل النفقة ديناً على صاحبها" إشارة إلى أنه يرجع على المالك إذا شرط القاضي الرجوع على المالك، وهو الأصح كما في الهداية.
(وإذا حضر) المالك وطلب اللقطة، وكان الملتقط قد أنفق عليها (فللملتقط أن يمنعه منها حتى يأخذ النفقة) التي أنفقها عليها، لأنها حييت بنفقته، فصار كأنه استفاد الملك من جهته، فأشبه المبيع. ثم لا يسقط دين النفقة بهلاك اللقطة في يد الملتقط قبل الحبس، وتسقط إذا هلكت بعده، لأنها تصير بالحبس بمنزلة الرهن كما في الهداية.
(ولقطة الحل والحرم سواء) ، لأنها لقطة، وفي التصدق بعد مدة التعريف إبقاء ملك المالك من وجه فيملكه كما في سائرها، وتأويل ما روى (¬1) أنه لا يحل
¬_________
(¬1) ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل إلى أن حكم اللقطة واحد، سواء أكان قد التقطها الملتقط من الحل أم كان قد التقطها من الحرم، ويروى مثل ذلك القول عن الشافعي رضي الله تعالى عنه، والمشهور من مذهبه أنه لا يحل الالتقاط من حرم مكة إلا للحفظ، وأنه يجب على من التقط شيئاً من الحرم تعريف ما التقطه حتى يجد صاحبه، وأنه تلزمه الإقامة بمكة لتعريفها؛ فإن أراد الخروج سلمها للحاكم، طالت المدة أو قصرت قالوا: والسر في ذلك أن الله تعالى قد جعل مكة مثابة للناس يعودون إليها المرة بعد المرة فربما عاد صاحبها من أجلها أو أرسل من يطلبها له، وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله تعالى، لا يلتقط لقطته إلا من عرفها" وفي رواية الصحيحين عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قام في الناس بعد أن فتح الله عليه مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "إن الله قد حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لا تحل لأحد قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لا تحل لأحد بعدي: لا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد" وقد استدل الأئمة الثلاثة على ما ذهبوا إليه بأنه عليه الصلاة والسلام قال في شأن اللقطة: "اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة".
ولم يفرق بين لقطة الحل ولقطة الحرم؛ فكان الأمر فيهما سواء. وأيضاً فإن التصدق باللقطة بعد انقضاء مدة التعريف فيه إبقاء ملك المالك من وجه، حيث يحصل له ثواب الصدقة. وأجابوا عما تمسك به الشافعي في المشهور من مذهبه بأن الالتقاط لا يحل إلا للتعريف، ولما كان الالتقاط من مكة مظنة أن يسقط التعريف لأنها مكان الغرباء يأتون إليها من كل فج عميق، ثم يتفرقون، فلا يظن عودهم إليها، والظاهر أن ما وجده الملتقط من أملاك هؤلاء الغرباء الذين تفرقوا؛ فلا فائدة من التعريف حينئذٍ؛ فأزال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوهم بقوله: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" يريد أن حكمها كحكم سائر البلاد، فافهم ذلك والله يرشدك

الصفحة 210