كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 2)

مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ، وَلْيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ " وَقَدْ قَالَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ مُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ، وَشُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغِنَى، وَحَاجَةُ الْمَدِينِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ كَحَاجَةِ الْفَقِيرِ أَوْ أَشَدُّ، وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَعْطِيلُ حَاجَةِ الْمَالِكِ لِدَفْعِ حَاجَةِ غَيْرِهِ.
(وَلَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (كَفَّارَةً وَنَحْوَهُ) كَنَذْرٍ، (أَوْ) كَانَ (خَرَاجًا) عَنْ الْأَرْضِ، (أَوْ) كَانَ (زَكَاةَ غَنَمٍ عَنْ إبِلٍ) ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ، يَجِبُ قَضَاؤُهُ فَمَنَعَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَفِي الْحَدِيث: «دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» وَالزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِ مَا وَجَبَتْ فِيهِ تَمْنَعُ بِالْأَوْلَى (لَا مَا) أَيْ: دَيْنًا (بِسَبَبِ ضَمَانٍ) فَلَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ أَصْلٍ فِي لُزُومِ الدَّيْنِ، فَاخْتَصَّ الْمَنْعُ بِأَصْلِهِ لِتَرَجُّحِهِ، وَفِي مَنْعِ الدَّيْنِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِهِ إجْحَافٌ بِالْفُقَرَاءِ، وَلَا قَائِلَ بِتَوْزِيعِهِ عَلَى الْجِهَتَيْنِ، فَلَوْ غَصَبَ الْغَانِمُ فَغَصَبَهُ مِنْهُ آخَرُ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَلْفٌ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى الثَّانِي، وَأَمَّا الْأَوَّلُ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَدَّى الْأَلْفَ لَرَجَعَ بِهِ عَلَى الثَّانِي. (أَوْ) إلَّا (دَيْنَ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ وَدِيَاسٍ، لِسَبْقِ وُجُوبِهَا) - أَيْ: الزَّكَاةِ - بِخِلَافِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ لَمْ يُنْقِصْ الدَّيْنُ النِّصَابَ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا يُقَابِلُ الدَّيْنَ لِمَا سَبَقَ، وَيُزَكِّي بَاقِيَهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (خِلَافًا لَهُ) ، أَيْ: لِصَاحِبِ " الْإِقْنَاعِ " (هُنَا) حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ حَتَّى دَيْنُ خَرَاجٍ وَأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِ التِّجَارَةِ، وَمَا اسْتَدَانَهُ لِمَئُونَةِ حَصَادٍ وَجِذَاذٍ وَدِيَاسٍ، (وَمَتَى بَرِيءَ) مَدِينٍ مِنْ دَيْنٍ بِنَحْوِ قَضَاءٍ مِنْ مَالٍ مُسْتَحْدَثٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إبْرَاءٍ، (ابْتَدَأَ حَوْلًا) مُنْذُ بَرِئَ؛ لِأَنَّ مَا مَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ مَنَعَ انْعِقَادَ الْحَوْلِ وَقَطَعَهُ. (وَيَمْنَعُ أَرْشَ جِنَايَةِ عَبْدِ التِّجَارَةِ زَكَاةَ قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ جَبْرًا لَا مُوَاسَاةً، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ.
(وَمَنْ لَهُ عَرَضٌ قُنْيَةٌ يُبَاعُ لَوْ أَفْلَسَ) ،

الصفحة 18